ميثاق وطني معطوب :
إن المتأمل في عشرية الميثاق ومجالاته ودعاماته وما رافقه من تقارير وطنية ودولية ،يتبين ما خلفه من اختلالات ترتبط بالاكتظاظ والتكرار والهدر المدرسي وضعف التحصيل ،وفقدان الثقة بين المحيط والمدرسة ،إذ كيف يعقل أن نتقدم في الزمن ،ويتم التراجع المستمر عن سياسة التعريب ،وتتفشى البطالة في صفوف حاملي الشهادات ،ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص ،وتعميم التعليم ،إنني ومن موقع المتتبع الممارس منذ ثمانينيات القرن المنصرم ،أؤكد أن أوضاع التعليم منذ أواخر الألفية ازداد انحطاطا ،وأن ترتيبنا الدولي يقترب من الصفوف الأخيرة سواء على مستوى تحصيل المعارف الأساسية ومستويات الاندماج في الأسلاك (ثانوي إعدادي –ثانوي تأهيلي )،ويزداد الأمر سوءا واستفحالا إذا أخذنا بعين الاعتبار منظومة القيم ،وما أصبحت تعيشه المدرسة من تدني أخلاقي غير مسبوق .
مخطط استعجالي مثقوب :
ارتبط المخطط الاستعجالي في حكومة عباس الفاسي وفي عهد وزير التربية والتعليم أحمد اخشيشن بمفارقات الإصلاح العجيبة والغريبة ،فبالرغم من المجهود المالي والموارد المعبأة واعتمادات الأداء المفتوحة في قوانين المالية وفي الميزانيات الخاصة بالأكاديميات، ظلت حصيلة الإصلاح هزيلة واستمر الأداء ضعيفا محتشما ،فالنظام التعليمي لا يزال يعاني من العديد من النقائص سواء على مستوى الطاقة الاستيعابية أو العرض المدرسي أو تغطية جميع الجماعات القروية بالإعداديات ،أو استغلال مؤسسات تعليمية في وضعية متردية ،أو تعميم التعليم الأولي ،إضافة إلى تفاقم الاكتظاظ والهدر المدرسي .
أما عن مشاريع القطب البيداغوجي وما يرتبط بها من مناهج وإعلام وتوجيه وتمكن من اللغات فالآثار فيه سلبية للغاية ، لدرجة يمكن القول معها بأنها بقيت عبارة عن شعارات بالمعنى السلبي للكلمة . ويمكننا باعتماد لغة الأرقام توضيح المفارقة أعلاه : فمن أصل بناء 7052 حجرة تم إنجاز 4062 ،وإلى غاية 2016/2017 تم استغلال 4376 مؤسسة لا تتوفر على شبكة الصرف الصحي ،و3192 مؤسسة غير متصلة بشبكة المياه الصالحة للشرب ،و681 مؤسسة غير مرتبطة بشبكة الكهرباء ،و9365 حجرة في وضعية متردية .
إن الخلاصة التي يمكن استخلاصها من المظاهر السلبية والاختلالات البنيوية هو ماعبرت عنه مقولة تسليع أوتبضيع التعليم والتي أنتجت بدورها تضبيع المتعلمين والمتعلمات والمظاهر والتجليات لا تحتاج إلى تدليل أو إثبات .
رؤية بدون رؤية :
إذا كان السياق التاريخي لمشروع الرؤية الاستراتيجية (2015/2030 ) وشعارها اللافت للانتباه ” من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء ” يستهدف تجاوز الاختلالات المتراكمة منذ سنوات ،فإن من مفارقاته المثيرة هو اعتماد مرجعيات متعددة في مقدمتها ميثاق يحق تجريده بعد مرور عقدين من صفة الوطنية ،أثبتت التجربة عدم تحقيقه للنتائج المتوخاة منه ،وعدم نجاحه في تأهيل منظومتنا التعليمية نظريا وميدانيا وعمليا .
كما أن من اختلالاته هو الطموح على مستوى الرؤية ،والمحدودية على مستوى الموارد ،ولا أدل على ذلك من انتقاله كمشروع من الأرض (دعامات الميثاق ) إلى السماء (رافعات الرؤية ) ،فالناظر بلغة الاقتصاد إلى التكلفة المالية يلحظ انخفاضا مثيرا في ميزانية التعليم بعد مرحلة المخطط الاستعجالي ،وسيزداد الأمر استفحالا وتفاقما في سنة 2019 بناء على تبني سياسة التقشف وارتفاع نسبة المتقاعدين .
ومن أعطابه الخطيرة هو استمراره في النظر إلى إشكالية التعليم كقطاع مستقل ومنعزل عن غيره من القطاعات ،بمعنى آخرلا زالت الرؤية التجزيئية مهيمنة،ولا زال شعار إصلاح المدرسة يجب أن يتم من داخلها ،في حين أن من مستلزمات الرؤية الاستراتيجية هو الشمولية والرؤية الالتقائية بديلا عن الانتقائية ،فإصلاح المدرسة والمنظومة لا يمكن أن يتم إلا بناء على إصلاح محيطها السوسيو ثقافي والاقتصادي والسياسي والقيمي الذي يعاني من فقدان الثقة والفساد الإداري وسرقة المال العام ،وغياب المراقبة والمحاسبة وشراء أصوات الناخبين والدعارة والمخدرات والمحسوبية وتفشي الرشوة الخ.
إن الرؤية المتحكمة في الرؤية الاستراتيجية على مستوى جوانب التسيير الإداري لم تتغير باعتباره أحد العوامل المسؤولة عن فشل الإصلاحات السابقة ،إذ من المفروض تغيير كل ما يتعلق بالهيكلة الوظيفية والإدارية ،وما يتعلق بما يسمى الأطر القيادية بناء على معايير الكفاءة المهنية .
لقد مر على العمل بمشروع الرؤية الاستراتيجية بالنظر إلى المدى القريب ثلاث سنوات ،ولم تقدم أية جهة على تقديم الحصيلة ورصد مؤشرات التقدم في إنجاز المشاريع ،فالإصلاحات الملحوظة يغلب عليها الطابع التجزيئى الذي يهم بعض المواد وبعض المستويات ،كما هو الشأن بالنسبة لتغيير بعض الكتب ،أو تطوير تدريس اللغة الفرنسية بالإعدادي ،أو إدماج المسلك الدولي مزدوج اللغة في بعض الثانويات الإعدادية ،أوتوسيع العرض بالمسالك الدولية لتشمل جميع الثانويات التأهيلية ،أو تطوير المكتسبات اللغوية من خلال إدراج المصطلحات باللغة الفرنسية في الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض .
كيف يمكن الحديث عن البعد الاستراتيجي في المحاور الآتية :مسألة القرار التربوي خاصة بعد ظهور القانون الإطار .
معضلة الموارد المادية والبشرية واللوجستيكية . إشكاليات البنيات التحتية الكافية والكفبلة بتحقيق نجاح الرؤية والإصلاح المنشود . هل نملك الشجاعة الكافية للقول ببعد هذه المحاور عن الدلالات الأولية للاستراتيجية .إن المقاربة بهذا الصدد لا تعدو أن تكون رتقا آنيا ولحظيا وإلا كيف نفسر ظاهرة حصول الأساتذة في مباراة التوظيف بالتعاقد على معدلات متدنية بشواهد جامعية عليا ،ومع ذلك يتم الإعلان عن نجاحهم والزج بهم داخل الأقسام بعيدا عن أي شكل من أشكال التكوين ،ناهيك عن استقرارهم النفسي والاجتماعي والمهني .
عبد الصادق شحيمة