* عبدالإله المستاري
لقد استاثرباهتمام الراي العام في الاونة الاخيرة صدور الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الابتدائية بسيدي قاسم القاضي بادانة سيدة تدير فندقا استقبلت فيه رجلا وامرأة تم ضبطهما بداخل غرفة بالفندق في حالة تلبس بجريمة الفساد من قبل الضابطة القضائية حيث توبعت تلك المراة باعداد محل للدعارة ومعاقبتها بشهر نافذ لانها لم تتحر في واقعة الزواج منذ استقبال النزيلين المذكورين بالفندق.االذين ادينا من اجل جريمة الفساد وعوقبا بشهر موقوف التنفيذ.
وعلى الرغم من ان الحكم المذكور لازال لم يكتسب قوة الشيء المقضي به الا انه يمكن القول بانه سار في نفس الاتجاه الذي درج عليه القضاء منذ امد بعيد. ولم يتبن تصريحات وزير العدل داخل البرلمان حول عدم اعتماد عقد الزواج عند ولوج المؤسسات السياحية والفندقية فكان من الطبيعي جدا ان لاتعير المحكمة اي اهتمام لتلك التصريحات لانها تصريحات صادرة عن شخصية سياسية. ولايمكن باي حال من الاحوال ان ترقى الى العمل التشريعي فوزير العدل بهذه الخاصية السياسية غير مؤهل باصدار دوريات او مناشير بهذا الشأن ؛لانه لم يعد رئيسا للنيابة العامة. فضلا عن ان نشاطا من هذا القبيل؛ يدخل في اختصاص جهات ادارية اخرى لاعلاقة لها بقطاع العدل.
فكون السيد الوزير لم يهتد الى وجود نص يعالج مسألة الادلاء بعقد الزواج لدى ادارة الفندق رغم بحثه عن هذا النص طيلة 25 سنة كما جاء في تصريحاته داخل البرلمان.فهذا لايعني ابدا ان النصوص المنظمة لاستيفاء المعلومات والبيانات الواجب الادلا بها غير موجودة.
فبالرجوع الى القانون رقم80-14 المتعلق بالمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء الفندقي يتبين بانه يتضمن البيانات المطلوب الادلاء بها من قبل النزلاء طبقا للمادة 36 ومايليها من القانون المذكور التي سيصدر بشانها قرار تنظيمي يحدد طبيعتها ،كما تضمن علاوة على ذلك العقوبات الزجرية والادارية التي سيتعرض لها صاحب المؤسسة في حالة عدم احترام المقتضيات التي تضمنها القانون المذكور. .ناهيك عما تضمنته مجموعة القانون الجنائي من مواد تعتبر وثيقة الزواج من احدى تطبيقاتها ونتاءجها وكمعطى موضوعى يحول دون الملاحقة القانونية والقضاءية؛ من قبيل الفصول: 490- 498-501-503-الفقرة 6 من الفصل 609 الخ.. والتي اكدها العمل القضائي منذ امد بعيد.
فالحديث هنا يتمحور اساسا حول الإجراء الاستباقي المتخذ من لدن ادارة الفندق الذي تتحاشى به الوقوع في المحظوروالحيلولة دون ترتيب الاثار القانوية في حقها ؛المتعلقة بمجموعة من الجرائم الاخلاقية المكتملة الاركان التي قد ترتكب داخل غرف المؤسسة والتي قد يعتبر المسؤول عن الفندق مسهلا لارتكابها او مشاركا فيها بحسب الاحوال وحسب الظروف المحيطة بكل قضية في نطاق الفصول 498 501 503بما في ذلك الفصل 490..الخ ومن جهة اخرى. وبقطع النظر عن وجود جريمة ام لا فإن المسؤول عن الفندق يعاقب لمجرد تقاعسه عن المطالبة بتعبئة الاستمارة حسب البيانات المحددة للهوية بمقتضى النص التنظيمي.
والعمل القضائي منذ سبعينيات القرن الماضي قد سار في هذا الاتجاه..
ومعلوم ان هوية الشخص الكاملة تتضمن طبعا الاسم العائلي والشخصي وتاريخ ومكان ولادته و ما اذا كان متزوجا وله اولاد ام عازبا ومهنته.. وبيانات بطاقته الوطنية.وعنوان مقر سكناه.
فمسالة المطالبة بالادلاء بعقد الزواج تظل نسبية لدى ادارة الفندق فعندما يتعلق الامر باسرة مكونة من الاب والابناء الذين يحملون نفس الاسم العائلي للاب؛ فالواقع العملي اظهر ان ادارة الفندق لاتطالب باستظهار وثيقة الزواج او اذا كان الامر يتعلق باشخاص كبيري السن …الخ
فمثل هذه الاحوال وما يشابههاعادة ما تقدرها ادارة الفندق حق قدرها.
فكلام وزير العدل بالبرلمان ليس بتشريع ولا يمكن العمل به وانما الامر موكول للسلطات المختصة -التي ليس من ضمنها على كل حال وزير العدل- ان تعفي بكيفية صريحة كافة النزلاء من الادلاء بوثيقة الزواج وان تصدر بذلك قرارات مادية مكتوبة في اطار السلطة التنظيمية التي تمارسها.
وربما ان وزير العدل لما ادلى بذلك التصريح كان منسجما مع افكاره وقناعاته الشخصية _واشدد على كلمة الشخصية-وليست الجماعية المحصنة بقواعد دستورية تتعلق بمراعاة الخصوصية الوطنية.وثوابت الامة في كل الاعمال التشريعية.
اذهو لم يطالب فحسب بالامتناع عن الادلاء بعقد الزواج بل ذهب الى اجرأ من ذلك في مناسبات اخرىبان نادى بإلغاء الصبغة الجرمية عن عدد من الجرائم المنتهكة للاداب.والاخلاق العامة.
فطالما ان عددا من الجرائم المتعلقة بانتهاك الاداب لازال العمل جاريا بها ولم يلحقها اي تعديل او الغاء فعلى اصحاب الفنادق ان يحتاطوا لذلك حتى يظلوا بمناى عن اية مساءلة قانونية.او قضائية.
فمهمة القضاء تنحصر في تطبيق النصوص القانونيةالسارية النفاذ وليس بتطبيق الاقوال المرسلة.
فالمراة صاحبة الفندق التي ادانتها المحكمة لكونها لم تتحر واقعة الزواج في حق رجل وامراة ضبطا في حالة تلبس بالجريمة باحدى غرف الفندق الذي تديره، لم تشفع لها تصريحات وزير العدل ولم تخلصها من المساءلة.!
وفيما يتعلق بمقولة ان المطالبة بالادلاء بوثيقة الزواج وبقية المعلومات الاخرى الخاصة بالنزلاء من شانها ان تنتهك المعطيات ذات الطابع الشخصي للافراد من لدن صاحب الفندق، فهذا كلام مردود اذ من المعلوم ان القانون رقم 80-14المتعلق بالمؤسسات السياحية واشكال الايواء الفندقي ولاسيما المادة 36 منه قد نصت على مايلي:
“يجب على كل مستغل لمؤسسة للايواء السياحي اوشكل من اشكال الايواء السياحي الاخرى ان يصرح يوميا لدى الادارة، عبر معالجة الكترونية تسمى التصريح الالكتروني،بالمعطيات المتعلقة بزبناءه العابرين او المقيمين يوم وصولهم لمؤسسته مع احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحماية الاشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.”
كما نصت المادة 37 من نفس القانون على ما يلي:
“من اجل القيام بالتصريح المنصوص عليه في المادة 36 اعلاه ، يجب على كل مستغل لمؤسسة للايواء السياحي اوشكل اخر من اشكال الايواء السياحي ان يطلب من زبناءه العابرين او المقيمين بمجرد وصولهم إلى المؤسسة؛ تقديم وثائق التعريف وملء وتوقيع استمارة فردية للايواء يحدد نموذجها بنص تنظيمي.”
وتبعا لذلك يتضح من المقتضيات المذكورة ان صلاحية المحافظة على المعطيات الشخصية هي مهمة اوكلها المشرع لكل مستغل لمؤسسة فندقية الذي عليه ان يحافظ عليها ويحميها طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل تحت طاءلة تعرضه للعقوبات المطبقة بشان خرق السر المهني.
ومن ثمة فان التثبت من واقعة الزواج وغيرها من البيانات الاخرى لايمكن ان تعتبر انتهاكا للمعطيات الشخصية طالما ان المشرع اسند هذه المهمة الى ادارة الفندق. وذلك على غرار بقية المصالح المكلفة في سياق مهمتها بالتثبت من الهوية مثل مصالح الشرطة والدرك والجمارك .. طالما ان مصدر هذه الصلاحية هو القانون الذي رتب جزاء عند الاخلال بالمحافظة عليها.
فالتثبت من واقعة الزواج حتى وعلى فرض ان لاوجود لعمل تنظيمي اوتشريعي يؤطرها وهذا امر مستبعد في ظل المعطيات المشار اليها سلفا وكذا الدوريات التي تكون قد اصدرتها الجهات المختصة من ذي قبل في الموضوع؛ فقد تعتبرمن زاوية اخرى تحصيل حاصل ووسيلة احترازية ناجعة وضرورية املتها ظروف موضوعية يلتجيء اليها مستغل الفندق ليدرا بها كل مساءلةقانونية او قضائية قد تلحقه بسبب ما سنه المشرع من جرائم من جملة افرازاتها ماله علاقة بهذا النشاط الفندقي والسياحي. التي تؤطره قواعد القانون الجنائي حسب الفصول 490-498-501-503 وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
فلماذا اذن هذه الضجة المفتعلة بشان التثبت من واقعة الزواج واعتبارها مساسا بالخصوصية وهتكا للمعطيات الشخصية.؟
الا تعتبر بقية البيانات الخاصة بالهوية هي ايضا تنطوي على خصوصية معينة ينبغي حمايتها ومع ذلك يكشف الواقع ان هوية الاشخلص يتم التصريح بها لدى العديد من المصالح الادارية بكل انسيابية وتلقاءية وبدون ادنى منازع او تحفظ بل وفي بعض الاحوال يدلى بنسخ من البطاقة الوطنية لدى العديد من المؤسسات المالية عندما يتعلق الامر بسحب بعض الاموال او ايداعها،كما يتم الادلاء بنسخ منها أيضا بمناسبة تكوين ملفات للترشيح لاجتياز امتحان اومباراةما وايضافي مختلف المصالح الادارية للحصول على مختلف الوثائق والتراخيص الإدارية التي يحتاجها المواطن في مختلف اوجه نشاطه اليومي . على الرغم من ان هذه البطاقة تتضمن معلومات في غاية الدقة والحساسية وهي على جانب كبير من الخطورة اذيمكن معها انتهاك هذه الخصوصية.
وعلى العكس من ذلك فعندما يقوم الفندقي بالتثبت من واقعة الزواج لدفع كل مساءلة قانونية او قضائية قد يتعرض اليها ؛تقام الدنيا ولاتقعد رغم انه مؤهل قانوناللتثبت من ذلك، وملزم بالحفاظ على سرية المعطيات الشخصية !انه منطق غريب حقا…!
وينبغي التذكير اخيرا وانطلاقا من المادة 36 من القانون رقم 80-14التي تلزم مستغل المؤسسة السياحية بالمحافظة على المعطيات ذات الطابع الشخصي ؛ فإن المؤسسة الفندقية ماهي الا مؤسسة تجارية تؤطرها كافة النصوص التجارية وليست بمرفق عمومي وانطلاقا من هذا المفهوم فهي تتمتع بكامل الصلاحية في ان تضع الشروط التي تلاءمها وترتضيها بخصوص استقبال النزلاء حفاظا على سمعتها ومصالحها ومن ضمن تلك الشروط شرط التثبت من واقعة الزواج وللنزلاء حرية الاختيار بالقبول بتلك الشروط او برفضها والبحث عن محلات اخرى…
اما بخصوص الاتفاقيات الدولية التي تنظم المحافظة على المعطيات ذات الطابع الشخصي؛ فيتعين ان تكون تلك الاتفاقيات منسجمة مع احكام الدستور ولاسيما مع البند ما قبل الاخير من تصدير الدستور الذي نص على مايلي:
“جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق احكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة؛ تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية…..الخ”
فمعنى ذلك ان كل الاتفاقيات الدولية التي تتعارض مع القوانين الوطنية الداخلية والهوية الوطنية الراسخة التي تتضمن ثوابت الامة وخصوصيتها الاجتماعية الفضلى لايمكن الاعتداد او الاحتجاج بها.
*الوكيل العام السابق بمحكمة الاستئناف بمراكش
.
.
.