ظلت مسألة وحدة اليسار المغربي تشكل ,على مدى أزيد من ثلاثة عقود , مطلبا ملازما لخطاب مختلف أحزابه وفصائله , من بينها من جعل من شعار الوحدة مكونا جوهريا من مكونات هويته اليسارية (منظمة العمل الديمقراطي الشعبي قبل انشقاق 1996 ) وحلقة مركزية في استراتيجية النضال الديمقراطي , فمطلب الوحدة من هذا المنظور ليس مجرد قضية ثانوية ملحقة بما هو أكبر منها في اجندة اليسار يمكن تأجيل انجازها والخوض في تعقيداتها ومواجهة عوائقها ، بل شرطا حاسما في تحقيق أي تقدم في اتجاه ربح رهانات الديمقراطية وبناء وترسيخ أسس الحداثة الفكرية و السياسية في تربة مجتمع عاش لقرون تحت هيمنة الاستبداد السياسي وثقافته المكرسة للخضوع والولاء الأعمى “لأولي الأمر “, وبكلمة : لقد اصبحت وحدة اليسار “شرط وجود ” وعنصرا مقررا وحاسما في تحديد أفق وطبيعة المستقبل السياسي للبلاد…ولامراء في أن وضعية اليسار المغربي اليوم – ومنذ أمد طويل – تطرح على الفاعلين السياسيين عموما، واليساريين منهم خصوصا , أسئلة مقلقة ومشروعة حول تجربته التاريخية ذاتها و هويته ومرجعيته , ومدى وضوح مشروعه المجتمعي ومطابقته للتحولات العميقة التي عرفها العالم والمجتمع المغربي على جميع الصعد وأيضا حول خطه السياسي المرحلي ومدى تمثله فكريا وسياسيا لمعطيات المرحلة الراهنة، وقدرته – بالتالي – على اجتراح واقتراح حلول ناجعة للمشكلات الكبرى التي يطرحها الانتقال نحو الديمقراطية ودولة المؤسسات بما يستجيب لمطالب المجتمع في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ويبقى السؤال الجوهري _ المفتاح والذي يفرض نفسه اليوم في ظل التحولات الجارية تحت عنوان ‘الربيع العربي” هو : كيف يتجاوز اليسار , بمختلف أطيافه حالة التشتت والتعددية العقيمة التي يتخبط فيها منذ أمد طويل ، ليتحول إلى رقم وازن في معادلات تلك التحولات المتسارعة دوليا وإقليميا ووطنيا؟ وبصيغة أخرى كيف يعيد اليسار المغربي بناء جسور جديدة بينه وبين المجتمع ,وخاصة طبقاته ذات المصلحة في التغيير وأجياله الحالية (60% من المغاربة ازدادوا بعد المسيرة الخضراء) التي لم يعد يعنيها أو يجذبها تضخم الخطاب عن ماضي اليسار بتضحياته وانتكاساته وخلافات مكوناته .. الخ , بقدر ما يهمها جوابه الفكري والسياسي والعملي على أسئلة الحاضر واستشرافه لأفق التغيير في ظرفية تاريخية تدافع فيها قوى الفساد والاستبداد عن مواقعها وامتيازاتها بكل الوسائل الناعمة منها والدموية، وتطرح فيها النزعات المحافظة نفسها كبديل..؟