لنذكر بعض هذه المعطيات الحافزة على الوحدة بالإيجاز التالي : معطى العولمة , التي بغض النظر عن جوانبها الايجابية كظاهرة تاريخية تعكس درجة عليا في تطور التاريخ البشري , فإنها أضحت تهدد بآلياتها ومفاعيلها الكيانات الضعيفة , وتعمق الفوارق الاجتماعية بين الشعوب والطبقات, وتفاقم من جيوش العاطلين والمهمشين لصالح هيمنة الشركات الاحتكارية الكبرى على اقتصاديات العالم في إطار نظام الليبرالية المتوحشة. إن قوى اليسار العالمي المسنودة بمبادرات المجتمع المدني وقواه المتنوعة، هي وحدها المؤهلة اليوم لمواجهة الوجه القبيح اللاإنساني للعولمة ما يفرض بالضرورة حزبا يساريا قويا ومنظما (هنا وهناك ) يتوجه إلى كل الشعب بمختلف فئاته وطبقاته الوطنية دفاعا عن العدالة والمساواة والوحدة الوطنية، وعن الهوية المتعددة المكونات والمنفتحة على المستقبل وعلى قيم العصر الانسانية.
معطى ما يسمى “الربيع العربي”, الذي أبان عن ما تختزنه الشعوب من طاقات هائلة، شبابية ونسائية، قادرة على صنع التغيير، ومن حاجة ملحة إلى تنظيم وتأطير هذه الطاقات وقيادتها نحو أهداف ثوراتها النبيلة : اسقاط الاستبداد والفساد وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مما يضع قوى اليسار أمام تحدي الحفاظ على الدينامية الثورية “للربيع العربي” وتحصينها من كل أخطار السطو عليها أو احتوائها . ان قطف القوى المحافظة لثمار “ثورات الربيع العربي” ( صعود الإسلاميين في تونس ومصر والمغرب إلى هرم السلطة ) كاف لوحده كمعطى سيسم المرحلة التاريخية القادمة لدفع قوى اليسار المشتتة والمتقوقعة على ذاتها إلى الشروع في إعادة صياغة مشروعها المستقبلي السياسي والثقافي الايديولوجي انطلاقا من مراجعة نقدية للتراث الاشتراكي في ضوء تراكمات المعرفة الإنسانية , وأخذا بعين الاعتبار لأهمية المسألة الدينية في هذا المشروع ,وذلك من أجل بناء ونشر ثقافة عقلانية وتنويرية حول الدين في مواجهة التأويل الرجعي المنغلق له ,والتوظيف المتعسف عليه في العمل السياسي والتدافع الحزبي .
معطى “الانتقال الدستوري”,بغض النظر عن اختلاف قوى اليسار حول الموقف من دستور فاتح يوليو 2011، الذي شكل ثمرة “الربيع المغربي” ومخرجه المتميز بفعل دور حركة 20 فبراير, فإن التفعيل أو التطبيق الديمقراطي لروحه التي تتجه نحو مفهوم جديد للملكية، كملكية مواطنة برلمانية، ونحو فصل أوضح بين السلط ، ونحو تكريس وتحصين الحريات الفردية والجماعية سيظل (التفعيل ) رهينا بالوزن السياسي والتنظيمي والجماهيري لليسار المغربي. إن تفكيرا جماعيا إستراتيجيا يتمثل طبيعة المرحلة القادمة ويبلور خطا سياسيا مستقلا وآليات تنظيمية لتقوية الروابط مع المجتمع هي مهمات راهنة ومستقبلية تقع على عاتق كل أحزاب وفصائل وتيارات وحساسيات اليسار المغربي كيفما كان موقفها من الدستور الجديد ,المفتوح على التطوير والتعميق لروحه الديمقراطية. ولاشك في أن عودة الاتحاد الاشتراكي الى المعارضة بعد 13سنة من التدبير للشأن الحكومي, ستزيل إحدى العقبات في وجه التقدم نحو الافق الوحدوي لليسار المغربي .
هذه بعض المعطيات الموضوعية التي تدين استمرار حالة الانقسام غير المبررة في المرحلة التاريخية الحالية والمقبلة بعد أن طوت السيرورة السياسية الواقعية الكثير من خلافات اليسار سواء في بعدها الاستراتيجي أو التكتيكي .
في القواسم المشتركة : إن ما يجعل من مطلب وحدة اليسار اليوم، مطلبا سياسيا وتنظيميا واقعيا ودعوة مطابقة لحاجات التقدم الديمقراطي للبلاد لا “دعوة رومانسية ” , هو قواسمه المشتركة إيديولوجيا وثقافيا وسياسيا وبرنامجيا .