ويمكننا هنا رصد هذه القواسم المشتركة التي تشكل في مجموعها الأسس المتينة للوحدة المنشودة في :
– التاريخ النضالي المشترك : بتضحياته و إخفاقاته وبطولاته في الصمود والثبات في النضال من أجل بناء نظام سياسي ديمقراطي، ودولة الحق والقانون، ومجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة.
– التوجه الإيديولوجي الاشتراكي الديمقراطي : وهو التوجه الذي باتت متغيرات عصرنا، خاصة بعد انهيار التجارب الاشتراكية، تفرض على اليسار المغربي تجاوز الفهم الجامد الدوغمائي للاشتراكية كفكرة ومشروع ، والعمل على إغنائها في ضوء مستجدات العصر المعرفية والاجتماعية،وربطها عضويا بالديمقراطية باعتبارهما معا مشروعا واحدا في مواجهة المشروع الليبرالي السائد والمهيمن في الاقتصاد و الاجتماع وعلى وعي النخب السياسية النافذة اليوم. إن هذا التحدي الثقافي والإيديولوجي يستدعي من قوى اليسار ونخبه السياسية والفكرية مجهودا نظريا كبيرا من أجل إرساء الأرضية الفكرية والإيديولوجية التي تؤطر الممارسة السياسية اليسارية.
– الاختيار الاستراتيجي، لا شك في أن السيرورة السياسية لبلادنا قد جعلت اليسار المغربي، ومنذ منتصف السبعينات، يتحرر – تدريجيا- من ثنائية ثورة _ إصلاح، ويتبنى عن قناعة الديمقراطية “كوسيلة وغاية” مدخلا نحو تخطي البلاد لواقع الاستبداد بالسلطة، وتجاوز حالة التأخر التاريخي المزمنة إن هذه السيرورة، وبعد مخاض طويل ,استقرت اليوم _وبشكل واضح بعد إقرار الدستور الجديد _ على تبني مختلف أحزاب وفصائل اليسار لإستراتيجية الملكية البرلمانية كأفق يرتهن التقدم في ترجمته إلى مؤسسات وممارسات وفصل حقيقي بين السلط بقوة وموقع اليسار في المجتمع وداخل حقل التدافع السياسي والديمقراطي الحالي.
– اختيارات برنامجية متطابقة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي منها على سبيل المثال : اختيار الاقتصاد المختلط مع الإقرار بضرورة قيام الدولة بالدور الريادي والوازن في قيادة قطار التنمية خاصة على مستوى المشاريع الكبرى المتعلقة بالبنيات التحتية والتجهيزات الأساسية , وعلى مستوى التحكم في التوازنات الاقتصادية، هذا إضافة إلى تطابق برامج اليسار في المجالات الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد واقتصاد الريع وإقرار نظام حماية اجتماعية حقيقية, ولاشك في أن استعادة المكانة المركزية للمسألة الاجتماعية في المشروع السياسي اليساري هو المدخل الرئيس لإعادة بناء جسور جديدة ومتينة بينه وبين المجتمع.
إن هذه القواسم المشتركة وغيرها التي تجمع موضوعيا وواقعيا بين قوى اليسار المشتتة، لتشكل قاعدة صلبة لتوحيد الرؤية والممارسة والإطار التنظيمي الواحد والمتعدد في آن واحد : متعدد الحساسيات والاجتهادات والخبرات والتجارب ,انها التعددية المنتجة والمؤثرة والفاعلة عكس التعددية العقيمة القائمة .ان كثيرا من الارادوية مطلوبة من طرف الجميع لبلوغ هذا الهدف , فالتجاوز الواعي والإرادي “للعوائق ألسيكولوجية ” والحساسيات الذاتية والحسابات المصلحية الضيقة الافق , مسؤولية جماعية تتوقف عليها أية خطوة جدية على طريق بناء حزب اشتراكي ديمقراطي جديد يجمع شتات اليسار على أساس مشروع سياسي وإيديولوجي وبرنامجي مطابق للحاجات الموضوعية للتقدم الديمقراطي والتنوير الثقافي .
إن مشروع قطب اليسار الاشتراكي الديمقراطي الموحد، كان وسيظل الجواب الذاتي لضمان نجاح البلاد في إنجاز كل المهمات الإصلاحية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، لمرحلة الانتقال التي طال أمدها نحو نظام سياسي ديمقراطي وملكية برلمانية، ونحو تحقيق الأهداف الكبرى في مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية في إطار من الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
إن طريق توحيد اليسار مفتوحة ومعبدة اليوم أكثر من أي وقت سابق… فهل تستجيب الإرادات؟ خاصة بعد أن أكدت التجربة أن تعدد فصائل اليسار لا يعكس في حد ذاته التنوع والغنى والديمقراطية ,وإنما لا يؤدي سوى إلى الهون والتآكل والعقم – وبالتالي – الى توسيع دائرة اليأس وسط الأجيال الحالية بكل ما يفضي اليه من تنامي مختلف النزعات العدمية والمتطرفة , وتلك اللامبالية بقضايا الوطن ومستقبله .