آخر الأخبار

وحدة اليسار المغربي ـ 2 ـ

في النشأة والمسار : اليسار المغربي هو سليل الحركة الوطنية فكرة ومشروعا سياسيا، اذ ترتبط نشأته الجنينية بالنضال من أجل بناء الدولة الوطنية المغربية المستقلة و ما طرحه من إشكاليات تتعلق بالاقتصاد المستقل والدستور وبناء المؤسسات وبنموذج التنمية الكفيل بتحقيق انتظارات المغاربة من الاستقلال..

فمن داخل هذه القضايا ” قضايا الجهاد الأكبر ” تشكل اتجاه سياسي متميز داخل النخبة السياسية الحزبية التي رافقت مسيرة النضال من أجل الاستقلال الوطني , اتجاه مشبع بثقافة سياسة عصرية ومنفتحة ذات منحى يساري، تجسدت في حزبي التحرر والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( 1959) اللذين خرج منهما اليسار السبعيني الماركسي اللينيني فيما بعد ,ممثلا في منظمتي “الى الامام و23 مارس ”

وبين النشأة، واليوم مر اليسار المغربي من محطات عرفت قمعا شديدا من طرف النظام لاجثتات تنظيماته وتصفية أطره ، وعرف انقسامات مؤلمة , ومراجعات كثيرة لمشروعه وإستراتيجيته وتكتيكاته ولمرجعيته الاديولوجية كذلك . ولأن الغاية هنا ليست التأريخ والتفصيل في سرد وقائع محطات التجربة التاريخية الغنية لليسار المغربي ,سأكتفي هنا بالوقوف عند أهم الخلافات التي وسمت هذه التجربة، وجعلت الكثيرين يصدرون حكما متداولا عنها يعتبر ان “تاريخ اليسار السبعيني هو في الواقع ليس سوى تاريخ خلافاته ” وبالتالي تاريخ انقساماته.. ولعل هذا الحكم لا يشكل في الواقع سوى نصف الحقيقة أما نصفها الثاني فهو ان تاريخ اليسار هو أيضا تاريخ التضحيات الجسيمة التي قدمها مؤسسوه وأطره وقواعده في أشرس حملة قمعية عرفها سجل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا .

ان ما يشكل الأساس المرجعي لهوية اليسار المغربي هو تاريخه بالذات ، وتجاربه النضالية بأخطائها ومكتسباتها كذلك,خاصة على مستوى تطور الوعي السياسي اليساري وعلى مستوى النضج الإيديولوجي ,حيث من داخل هذه التجربة بكل ما رافق محطاتها من قمع وسجون ومنافي وتشريد للمنتمين والمنخرطين فيها , قيادات وقواعد ,استطاع اليسار الجديد (السبعيني) _ وبالأصح قسم واسع منه _ تجاوز والقطع مع ما اتسمت به مرحلة النشأة من دوغمائية نظرية ومذهبية ,وراديكالية سياسية رافضة جذريا للنظام السائد ولكل نزعة اصلاحية .

لقد كانت الخلافات داخل اليسار المغربي، خلافات سياسية وإيديولوجية، لا خلافات ذاتية، طالت قضايا وموضوعات إستراتيجية : العنف الثوري كطريق للسلطة , مفهوم الحزب الثوري ، التحالفات والعلاقة مع القوى الديمقراطية ,اضافة الى الاختلاف حول إستراتيجية النضال الديمقراطي والعمل العلني,وكانت قضية مغربية الصحراء القضية الخلافية القوية التي قسمت صف اليسار السبعيني حيث خاضت “منظمة 23 مارس” صراعا قويا في السرية وفي السجون وفي المنفى ضد العدمية في المسألة الوطنية كما عكسها موقف منظمة “إلى الأمام”

في غمرة كل هذه الخلافات الإستراتيجية منها والتكتيكية والتنظيمية , أغنى اليسار السبعيني الفكر السياسي اليساري، اذ حرره من “الرومانسية الثورية ” ” واليسارية الطفولية.”. ومن مفهوم الحزب الثوري”المهدوي” ذو الرسالة الخلاصية الذي سينبثق وبعفوية من تحت “نيران العدو” …

في المراجعة:في مراجعة نقدية سياسية و إيديولوجية ، للتجربة التاريخية لليسار السبعيني والتي اجتثت , وهي لم تزل يافعة من طرف النظام في حملتي قمع شاملتين (1972 و 1974 و ما بعدهما) استلهمت بقايا أطر منظمة 23 مارس (قيادة الخارج + أطر الداخل الناجية من القمع) متغيرات المرحلة السياسية الجديدة ومعطياتها الموضوعية المغايرة لمعطيات وتأثيرات النشأة والتأسيس , من بينها