لايمكن أن أفوت حادث وفاة المرحوم مولاي رشيد السيدي هكذا دون ان أقدم في حقه واجب العزاء للعائلة الكريمة ولمدينة مراكش بل للوطن بأكمله .في شخص كريم أصيل من عائلة عريقة بمراكش وبالضبط حومة زاوية لحضر ولعلاقة باخي وصديقي مولاي عبد العزيز ولأدون في حقه كذلك شيء مشترك بيننا عشناه في مرحلة سابقة.
استدعيت أفكاري وأحداث سابقة .فرجعت بذاكرتي لاواخر السبعينات وبالضبط ان لم تخني الذاكرة سنة 1979 كنت أنذاك تلميذا بإعدادية عبد المومن هذا الصرح التعليمي الذي يختزن كثير من الذكريات والتي لاشك أن بعض الأحداث كفيلة بإيقاظها من ركام . وهنا أدركت سرا وجوابا على سؤال كثيرا ماحيرني لماذا أصر أبي رحمة الله عليه ونحن نقطن حومة لقصور على أن أتلقى تعليمي الإبتدائي والإعدادي على حد سواء بباب لخميس رغم بعد المسافة .
كنت تلميذا في السنة الرابعة من نمط التعليم القديم ما يماثل الان التاسعة في النظام الحالي . وكنا محظوظين بالفعل حيث تتلمذنا على أيدي خيرة الأساتذة فلايمكن نسيان أسماء لامعة في سماء هذا الفضاء في مادة اللغة العربية من قبيل الأستاذ الحسيني في السنة الأولى وبالخصوص الأستاذ البصيري في السنةالأخيرة .ميزة الأستاذين معا ان زمن التعلم تطبعه متعة خاصة من البداية حتى النهاية لاتشعر بالملل بل يحفزك للحصة المقبلة في نوع من التشويق يجعلك تنتظرها بفارغ الصبر . هذه الأجواء لاشك أنها ستساهم في صقل مواهبك وأنت تعيش مسارا يطبعه التنافس القوي والحضور اليومي .
في الشهور الأخيرة من الموسم الدراسي من سنة 1979 زارنا فوج من الطلبة الأساتذة لتقديم دروس في اللغة العربية بحضور الأستاذ البصيري رحمة الله عليه وكان أستاذا متمكنا ضابطا للغة . وقد أوصانا قبل حضورهم برفع إيقاع النقاش من خلال مراجعة المواضيع التي ستطرح وضبط مفرداتها والتعبير عن جاهزية لأن الوفد مهم ويرافقه مفتش . كلام الأستاذ البصيري وطريقة توزيعه للتلاميذ على الطاولات وتفرده بأشارات في التواصل جعلت منه قائدا لجوقة منسجمة وقوية يعلم جيدا أن قسمه هذا اختير لاعتبارات كثيرة لكونه يمتلك مقومات قسم نموذجي يضم خيرة التلاميذ في مادة تخصصه .الفوج الذي زارنا كان من بين أعضائه المرحوم مولاي رشيد السيدي كطالب أستاذ . عشنا معه حصة ممتعة تفاعلنا فيها بشكل جيد لم نشعر بالحصة وهي تصل لنقطة النهاية ألا بعد رنين جرس المؤسسة وجلبة حول القسم أوقفت متعة النقاش بيننا أحسسنا معه بدينامية أخرى وجو آخر مما أفرز حوار في الأخير لازلت أذكر من فقراته الجمل الأخيرة حيث عبر المرحوم البصيري عن خلاصة ومضمون مفاده أن نجاح الدرس رهين بقدرة الأستاذ على دفع التلاميذ للتجاوب في مستوى عالي وإيجابي وانتم استطعتم فعل ذلك . فعلق بعدها بلغة المراكشيين التي نفهمها جميعا دون استثناء .
” راه عندي غير الطيور لواعرين استاذ .واش نبيعهوم لك ” فعم القسم نوع من الضحك يشبه لحد بعيد نشوة الإعجاب
فرد عليه المرحوم مولاي رشيد وهو يرسل عبر ابتسامته رسالة شكر للجميع . فعلا ممتن لهذا الاختيار وسعيد بمعيتكم جميعا .كانت لحظة ماتعة لايمكن نسيانها بين تلميذ في السنة الرابعة اعدادي واستاذ طالب سلك اعدادي يستعد في خطواته الأخيرة من التكوين لممارسة مهنة المتاعب.
رحمك الله مولاي رشيد .
ذ ادريس المغلشي .