إن ذكرى ثورة الملك والشعب هي مناسبة لاستحضار تضحيات الشعب المغربي ومعه المؤسسة الملكية ضد الاستعمار، ومناسبة أيضاً للتذكير بالالتحام بين هذه المؤسسة وهذا الشعب المبنية على الشرعية الدينية والتاريخية والهم المشترك في تدبير هموم هذه البلاد وحل قضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ومناسبة كذلك للفخر والاعتزاز ببطولات رجال المقاومة وأعضاء جيش التحرير والأسرة الملكية في طرد المستعمر الفرنسي ووضع اللبنات الأولى لنظام ملكي دستوري ديمقراطي مبني على إشراك الشعب في السلطة.
ففي يوم 7 من شهر ماي من عام 1957 وجه المغفور له الملك محمد الخامس خطابا إلى الشعب قال فيه : (إن أفضل حكم ينبغي أن تعيش في ضله بلاد تتمتع بسيادتها وتمارس شؤونها بنفسها هو الحكم الديمقراطي ، إن الوقت قد حان لتدخل البلاد في طور جديد من حياتها وذلك بإقامة مؤسسات دستورية يشارك فيها الشعب مباشرة في تسيير الشؤون العامة. ) . فهذا الخطاب هو تجسيد حي وواقعي لمحورية المؤسسة الملكية وشخصية الملك في الحياة السياسية المغربية، فتاريخيا تمتد لأزيد من 12 ألف سنة مما مكنها من التجدر في نفوسنا وثقافتنا وتاريخنا نحن المغاربة.
فالموقع الديني للملك كأمير للمؤمنين ، والدور التاريخي للملك محمد الخامس طيب الله ثراه أثناء فترة مقاومة الإستعمار الفرنسي بدعمه للمقاومة ، وانخراط الأسرة الملكية فيها ونفيه لجزيرة كورسيكا ومدغشقر في وقت تحالفت فيه غالبية ملكيات العالم الثالث مع المستعمر ضد شعوبها وحركاتها الوطنية التحررية ، زاد من قيمة هذه الشعبية وزكى محورية الملك في الحياة السياسية .
فبلادنا ولله الحمد تتميز بتنوع تركبتها الاجتماعية والثقافية وتعرف التوفيق بين ما هو ديني ودنيوي دون تبني العلمانية ، وانصهار بين العرب والامازيغ بدون نزعة قومية ويعرف التعايش الحضاري بين المسلمين واليهود دون اتهام بالطائفية ، ويتميز كذلك بتعددية حزبية مبنية على مرجعيات مختلفة منها الشيوعية والاشتراكية والليبرالية والدينية ، تشتغل في إطار توابث الأمة وخصوصياتها . ووجود طبقة سياسية ناضجة ومعتدلة خصوصاً معارضة ما قبل 1998 مبتعدة عن تيارات وايديلوجيات القومية العربية كحزب البعث وحركة القوميين العرب، ليدل على عبقرية ملوك المغرب وطبقته السياسية منذ الاستقلال وإرادتهم السياسية في خلق نظام ملكي دستوري ديمقراطي يساهم فيه الجميع ، وهذا ما جعل مغربنا الحبيب يشكل الاستثناء في الوطن العربي بشهادة العالم .
إن الجيل الجديد من شباب المغرب أمام تحدي قراءة هذه المحطات التاريخية قراءة واقعية وموضوعية وجعلها مرجعا للسير قدما في استكمال بناء مغرب المستقبل تسود فيه الحرية ، الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وفصل السلط وتنزيلا سليما لدستور 2011 في ضل السياسات الرشيدة لجلالة الملك.