آخر الأخبار

وزراء  و برلمانيون بين جهل  و كره للسياسة

إدريس  الأندلسي

هناك وزير أصبح مجبرا على خوض الكثير من المواجهات لا أتكلم في هذا المقام عن كل الوزراء بل عن قلة منهم. أسوق  مثالا  بوزير يعرف من أين أتى و ساهم في أسعاد المغاربة كرويا منذ حوالي عقد من الزمن. الرجل في البدء موظف سام و مسؤول عن تدبير ميزانية المغرب منذ أكثر من  12 سنة. كان رئيسا لقسم مسؤول عن تدبير ميزانية عدة وزارات و على رأسها وزارة الفلاحة بعد أن  تولاها عزيز اخنوش . هذا الأخير وجد أمامه شابا له أصول  و له في الأصل التكوين  و قدرة على الفصل في الأمور.  قيل في الصحافة منذ سنين أن اخنوش كاد أن يمنحه مهمة الكاتب العام لوزارته.  لكنه اهتدى لكون هذا الإطار افيد له كمدير للميزانية في المالية و لذلك كان من الداعمين له .  و أستمرت على هذه الحال صيرورة قادت في الأخير فوزي لقجع إلى موقع المسؤول على ضبط الأمور الميزانياتية في غياب من يتحمل تديير العلاقات السياسية  المرتبطة  بالمالية العمومية و  الإقتصاد.  و لقد أصبح  واضحا أن وزارة الإقتصاد و المالية لا تحتمل وجود وزيرة ذات حضور ضعيف أمام وزير منتدب حاضر في كل المنتديات.  مر المهرجان  المالي  الدولي في مراكش و حضر آلاف الخبراء  و مؤسسات ” بريتن وودز” و بنوك مركزية ” و تم تركيز الأضواء على الوزيرة ” فتاح العلمي” ثم  خفت حضورها.  و رجع لقجع لكي يتحمل وزر مواجهة البرلمان في الدفاع عن مشروع قانون المالية لسنة  2024. و تفجرت قضية قديمة جديدة ازلية في قطاع التربية الوطنية لتتسبب في أكبر أزمة أوقفت  السنة الدراسية  الحالية.

أظهرت هذه الأزمة مستوى  ضعيف لحكومة، قيل أنها حكومة تعج بالخبراء،  و التي نسيت حجم الأوزار قبل الاستوزار. لم يعر رئيس الحكومة  و لا أغلبية الوزراء أي إهتمام بالجانب السياسي في تدبير السياسات  و الأزمات التي تصاحب تنزيل كل مشاريع الإصلاح. وزير  آخر خبر  التدبير  قبل  الكثير  من زملاءه  و لكنه  تعرض  لمناورة  خلال سلسلة لم تنته  من  المفاوضات لإصلاح  منظومة  تم تسييس  تدبيرها  منذ  زمان ثم استعصى تقويمها بعد بلغ السيل الزبى. اختلطت الأوراق  و تضررت آليات الوساطة  و أصبح النقاش مستحيلا.  الأمر تطور إلى لعبة كشفت فيها أوراق الحكومة و على الخصوص ضعف هامش اتخاذها للقرار. و هذه هي النتيجة الحتمية لعمل أولئك الذين اجتهدوا قبل سنين لإضعاف الأحزاب  و النقابات  و الجمعيات  و قضوا على الفكر و السلوك التطوعي.  و هذا الواقع لا يمكن أن يتم تغييره عبر آليات أمنية  أو قمعية.

لعل الدارس للخطاب ” السياسي ” لكافة مكونات المؤسسات البرلمانية  و الحكومية يتضح لديه مدى ضحالة الوعي بالمرحلة التي يعيشها المغرب في ظل محيط جيواستراتيجي و اقتصادي  صعب . وزيرات  و وزراء  و رئيسهم يجدون صعوبة في فهم الدور الذي انيط بهم.  أعتذر عن صيغة الكلام لأنني،   و ككثيرين، احزنني لحد الضحك،  ما وجده اخنوش من متعة في تكسير لغة الضاد.  و الأمر قد لا تسلم منه الامازيغية  و الفرنسية و بالطبع الإنجليزية. أكاد  أجزم أن صناعة التدبير السياساوي السريعة و المدعومة تنظيميا فشلت  و اضرت بالوطن. هاهم قد وصلوا إلى مراكز القرار على  علاتهم.  و ها هم احتلوا مقاعدا في الكثير من المؤسسات  و ها هم يدبرون الشأن العام.  و ها هم لا ينتجون قيمة مضافة للوطن.  و لكن السر في أن افتعال الأدوار السياسية بعيدا عن الإلتزام السياسي يخلق كائنات تظهر ثم تختفي حين يأتي الليل.  و رحم الله رجال الدولة  و تبا لخفافيش الظلام الذين لا يحملون إلا هم نفس ” امارة بالسوء ” ترغب في كرسي  و مصالح آنية  و لا تعتبر خدمة الوطن أكبر همها.

أصحاب المقعد” الوزيري”  ليسوا كلهم ممن رغبوا في الجلوس عليه.  هناك من استسلم لإلحاح من طرف ولي نعمة ، و هناك من اضطر و قلبه كان مطمئنا في موقع ذو جدوى مالية بعيدا عن ” صداع الراس” . و هناك أيضا من كلف بمهمة السهر على حماية مصالح ” أهل الحال” كما قال ناس الحيوان. و هناك ” كاري حنكو” الذي لم يقاوم رغبته عندما كان في برلمان الأطفال  و افتتن ببلاغة  و رقي رموز الدولة حتى ابتلي و جنح إلى  التقليد.  ظن هذا اليافع أن تركيب الجمل وإتقان إختيار  الجلباب يضمن ركوب الأمواج  و تنزيل السياسات.  و ادخلتنا حكومة اخنوش في سراديب المجهول. 

و تجرنا هذه القراءة المتواضعة إلى تأثير ممارسة اللعبة الحزبية إلى الفعل أو عدمه في توجيه القرار المالي العمومي. المشكل أن ” صفوة ” هذا اليوم السياسي، توجد، في غالبيتها، تحت قهر الجهل بقواعد صنع القاعدة القانونية في مجال قانون المالية.

تعرف قيادات الأحزاب  و الفرق البرلمانية أن ممارسة قراءة مشروع قانون المالية  و محاولة تحليله  و معارضته خلال مرحلة إعداد التعديلات  و الدفاع عنها تتطلب الكثير من العمل المضني قانونيا في مواجهة ” جيش عرمرم ” من الموظفين المختصين ” لدى الوزارة المختصة.  الخطأ الكبير في التعامل مع مقتضيات  مشاريع قانون المالية  هو الانسياق إلى الجوانب التقنية.  المعارضة هي موقع  و تعبير سياسي عن قبول أو  رفض مقتضيات قد تضر أو تضعف القوة الشرائية للمواطنين أو  أن تضعف مقاييس تقييم المنافسة بين الفاعليين الإقتصاديين  أو  تخفي وسائل غير شرعية لتمكين فئة من عقار عمومي أو من تعامل ضريبي تحفيزي لصالح شركات دون أخرى. الدور السياسي ” للمعارضة” ليس” مساومة ” و لكن مواجهة،  إن أمكن ذلك،  من أجل محاربة الريع  و زيادة كل أشكال النفقات الجباءية لصالح المستفيدين من المال العام  و كل المزايا ذات الثقل المالي على تحملات الميزانية. 

كان من اللازم طرح هذه المقدمة لأن هناك فرق كبير بين من يحمل الاوزار بكثير من الجهد  و القليل من الإلتزام السياسي.  يحاول أن يتميز عن من لم يسبق لهم أن خبروا التدبير العمومي  و التعامل مع التوزيع القانوني للمال العام.  هذا التوزيع يجب أن يخضع مبدئيا للمصلحة العامة و تفادي محاباة فئات اجتماعية على حساب أغلبية تعيش على الكفاف  و ” العفاف” و منهم من ” تحسبهم أغنياء من التعفف”. و لكن قلة التعفف هي  سلوك عادي ، مع الأسف ،لدى من  راكموا الثروات و استفادوا منذ السبعينيات من ثدي الوطن الحلوب.  و لا زالت شهيتهم مفتوحة على المزيد من الريع على حساب فئات إجتماعية تعيش في  وضعية هشاشة. القناعة بالنسبة لهم تعبير عن ضعف  أمام شعب يريد عدالة إجتماعية. 

و تزايدت شهوات فئات طفيلية فتحت قنوات تحت الأرض لتنهش جسم المجتمع في كل المجالات التي تغنيهم على حساب الفقراء  و ذوي الدخل المحدود. تذهب من أجل الولوج إلى خدمة طبية فتجد فاتورة خيالية. تدفع مبالغا  و لا تسجل على ورقة المرض التي تقبلها مؤسسات التأمين الإجباري عن المرض،  تلك المبالغ التي دفعتها بالاعتماد على تسبيق بنكي أو هجوم على مدخرات أسرتك الكبيرة . تحاول تصديق خطاب وزير للولوج إلى السكن فتفرح ثم تجد نفسك مخدوعا بوعود كاذبة  و مكلفة لميزانية الدولة.  هذه الدولة تعرف كل هذه الممارسات  و تدعي أنها تجهلها.  و يأتي وزراء يؤدون القسم على الإخلاص لله    الوطن  و الملك  و على تأدية المهام بصدق  و أمانة. ثم يعيدون القسم على أن ليست لهم قدرة على تنفيذ وعود الأحزاب التي صبغتهم بألوانها  و هم الذين لم يقتربوا من عالم التدبير السياسي إحترام لنصائح أولي أمورهم.  

لكل ما سبق، أشرت إلى الوزير لقجع و قد أشير إلى وزراء آخرين خبروا صعوبة الأوزار،  و زاد هامش الخوف على بلادي من حرص بعض القيادات الحزبية عل نص قتل المبادىء السياسية النبيلة. بعضهم يتباهى بحجم ثروته ليبرر نجاح إبنه في مباراة  و الآخر ينظر إلى الشأن العام كسوق تخضع لقانون العرض و الطلب المرتبط ” بالصدقات  و الهبات  و الهدايا” التي تصنع الأغلبية  و تفعل في صنع الأغلبية المؤمنة بالوفاء للغالب بأمر الجاه  و المال  و الغد المجهول.  حفظ الله بلادنا من المجهول  و من آثار غلاء الأسعار و  من الظلم الإجتماعي  و ممن يريدون تغذية الحقد على المؤسسات  و إعدام الأمل في غد أفضل.  دعاءي موجه ضد الطبقات التي تمارس الصراع ضد العدالة الإجتماعية دون اغفال الدور الكبير لكل وسائل النضال السلمي من أجل ” وطن و  خبز  و ديمقراطية”.