إدريس الأندلسي
يقسم الوزير الذي يريد أن يزيد من العرض الصحي أمام مواطن يشتكي ” أنه لو كان طبيبا، و الإشارة إلى المشتكي، ” والله ايما تجلس” فأرفود .المواطن و كل المواطنين الذين سمعوا الوزير وهم يتكلم بقليل من التواضع ، و بكثير من اليأس عن حل تكدس الأطباء في مدن دون غيرها، فهموا أن الوعود الحكومية ستظل مجرد وعود. ما معنى أن يصل جواب وزير ضعيف و مليء بالانهزامية إلى هذا الحد. ما معنى أن لا يبدي أي تعاطف، و لو بكلمة طيبة. مع مواطن دخلت أمه إلى مستشفى عمومي و لم تتمكن من استشارة طبية طيلة أربعة أيام و بعدها غادرت الدنيا من فرط حرارة ذلك الذي سمي بالمستشفى. أين الإرادة في مقاومة المعيقات. لا يهم أن يكون وزير الصحة طبيبا بل الأهم أن يكون مسؤولا سياسيا ملتزما. لا يهم أن يتحسر على تكدس الأطباء و غياب خريطة صحية عادلة، كما لا يكفي أن ينفي عدم وجود “النوار” و شيك الضمان. المواطنون يعيشون المآسي و لا يجدون سندا. أين دور الوزارة في مواجهة الاختلالات بالقطاعين الخاص و العام. أين هي تقارير المفتشيات و أين هي قرارات الوزارة لقمع كل الاختلالات.
أيها الوزير حاول أن تنزل من برجك عاجي و كذلك معاونوك و هم كثر لكي تتأكدوا من سير مؤسسات خصصت لها ميزانيات تتزايد منذ عشر سنوات و أكثر. تعلم، كما يعلم المغاربة، أن ملك البلاد حريص على التنزيل السليم للمشروع المجتمعي الملكي الكبير حول التغطية الإجتماعية و الذي خصص له مبلغ 51 مليار درهم. الخوف كبير من أن يتم تنزيل أنظمة للتغطية الصحية و يمر الوقت و يأتي زمن التقييم فنجد أن كل معايير العرض الصحي العمومي لم يتم تحقيقها. اركب الطائرات و أسرع وسائل النقل، ولكن كن مفتاحا للحلول لا متباكيا و متأسفا عن وضع صحي صعب. من المؤكد أن عدم تسميتك وزيرا خلال الأيام الأولى للحكومة قد أثر في نفسك و أنت الذي رافقت المعركة ضد الكوفيد. كم كنت تأمل في فرصة أخرى لإتمام مهمة لم تتممها. و أعطيت لك الفرصة و كبر حجم الوزارة . و لا زال حجم الانتظارات كبير.
أمام لجنة برلمانية “دخل ” وزير الحماية الإجتماعية في الصندوق الوطني لمنظمات الإحتياط الإجتماعي “طولا و عرضا” و قال ان هذا الصندوق هو السبب في البلوكاج و في غلاء تكلفة العلاج في القطاع الخاص. قال هذا دون أن يقرأ المادة 21 من القانون 00- 65 المتعلق بالتأمين الإجباري عن المرض. هل يحسب أن البرلمانيين لا يعرفون كلهم أن الدور الأهم و أكاد أقول الأول و الأخير في تحديد التسعيرة الوطنية المرجعية يرجع إليه. و هذا الدور كما هي كل الأدوار في مجال المراقبة و التفتيش و افتحاص مؤسسات القطاع الخاص هي صلب دوره القطاعي و السياسي. و حتى أن رفضت، لسبب ما، هيئة تدبر التأمين الإجباري عن المرض مقترحا لرفع التعريفة المرجعية الوطنية، فالكلمة الأخيرة ترجع إليه كما نص على ذلك المشرع في الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون المشار إليه على ما يلي “: و يتعين أن تصادق الإدارة على الاتفاقيات الوطنية بنص تنظيمي. ” و تضيف الفقرة الثالثة التأكيد على أنه ” في حالة عدم الاتفاق على مضمون الاتفاقيات الوطنية ، فإن الإدارة تقر الإستمرار في العمل تلقائيا بالاتفاقية السابقة، إن وجدت، أو تقرر عند الاقتضاء ، نظاما للتعريفة بعد استشارة الوكالة الوطنية للتأمين الصحي” مع العلم أن هذه الوكالة مؤسسة عمومية خاضعة لوصاية وزير الصحة و الحماية الإجتماعية. و بالتالي لا يمكن أن تلعب دورا في التقنين كما تلعبه المؤسسات الدستورية كالهاكا مثلا.
الموضوع ليس إذن، في النهاية بيد مؤسسات تدبير التأمين الإجباري عن المرض و هما الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي و الصندوق الوطني لهيئات الإحتياط الإجتماعي. و على الوزير إتخاذ القرار السياسي مع الالمام بكل المعطيات التي تهم التوازنات المالية للمؤسسات المذكورة لكي لا يتم استهلاك جميع أموال منخرطيها التي تشكل احتياطاتها. كان حريا بالوزير الذي اوكلت إليه مهام الحماية الإجتماعية أن يأمر بافتحاص الاحتياطات و القيام بدراسات اكتوارية للتعرف على المخاطر المحيطة بالموارد و إقتراح التمويل الملائم للحفاظ على أهم شبكة اجتماعية وطنية للحماية الإجتماعية.
لا أعرف ان تأكد السيد الوزير من الآثار المالية لتوسيع لائحة الأمراض المزمنة على مستقبل الكنوبس. و لا أشك في افلاسها المالي بعد سنوات قليلة إذا لم يوجد حل لتوازناتها المالية. و هذا الموضوع يتطلب انخراطا حقيقيا للنقابات للإسهام في إيجاد حلول مسؤولة. حضرت إحدى الندوات عن التأمين الإجباري عن المرض و تبين لي بالأرقام أن الوضع خطير بالنسبة للمؤمنين بالقطاع العام. قرار الحكومة أدى إلى إرتفاع لائحة الأمراض المزمنة و طويلة الأمد و ارتفع بفعله عدد المستفدين المصابين من 50 ألف سنة 2006 إلى حوالي 200 ألف سنة 2011. و قد أدى هذا الارتفاع إلى تضخم مصاريف الصندوق الموجهة للأمراض المزمنة من 900 مليون درهم إلى 3،2 مليار درهم . و قد ظلت موارد الصندوق تعرف تناقصا بفعل ظهور عجز بين المصاريف و المداخيل و بالتالي بداية اللجوء إلى الاحتياطيات. و هنا اشتعل الضوء الأحمر ايذانا بدخول مرحلة الخطر. و دور الوزير و الحكومة برمتها أن تبحث عن الحلول لكي لا تنهار مؤسسات التأمين الصحي القائمة على مبدأ التضامن بين الأجيال.
غدا سترجع أمام البرلمانيين و قد يكون القانون الإطار للصحة قد مر. ما هي الوعود في كل المجالات المرتبطة بالعرض الصحي العمومي ؟ ماذا ستقترح كحلول لمؤسسات التأمين الإجباري عن المرض و فك العزلة و الحد من دور التعاضديات؟ ماذا ستقول للمواطنين العاجزين أمام المرض لبعد مراكز العلاج و غلاء التكاليف؟ بماذا ستواجه المخلين بأخلاقيات المهنة للحد من الهروب إلى المستشفيات الخاصة و ترك المستشفى العمومي محطة للانتظار الطويل من أجل فحص أو تحليلات أو الخضوع للأشعة مثل السكانير و المسح بالرنين المغناطيسي. أنين مريض ينتظر لأكثر من سنة للحصول على خدمة طبية لا يمكن أن تغطي عليه خطابات الدولة الإجتماعية.