إدريس الأندلسي
قليل ما جاد الزمان بمثله . عالم يقال أن أهل الفرنجة بعثوه رسولا إلى إحدى جامعاتنا في مدينة عريقة كانت الأولى التي شهدت تأسيس أول نظام تعليمي بالمغرب و هي جامعة بن يوسف. و لكثير من المؤرخين رأي في الموضوع و لكن جمعية خريجي هذه الجامعة أكدوا بالحجة على ذلك. المهم هو أن وزيرنا المغربي القادم إلينا مثقلا بشواهد و تجارب و يقال، والله أعلم، بكرم فرنسي اغدق عليه ليتراكم مع راتب كريم و كبير بكل المقاييس الإقتصادية التي تدرس بالجامعات عبر العالم و عبر التراب المغربي الأصيل.
حل ضيفا على برنامج يديره بكل “فنية ” و أكاد أقول كروية الصحافي المشهور الرمضاني. أن يحب الوزير “الميراوي ” أغاني الشيخات فهذا حقه وان يرى أن تدريسها مطلوب، فهذا رأيه و لكن الفن الشعبي الثراتي لا يدرس إلا في بيوت أهل الصنعة لممارسة العيطة و تعلم مكامن اوزانها و طريقة التعامل الصوتي مع مضامينها. أما تحليل مضامينها باعتبارها أدوات للتحليل النفسي و الانتروبولوجي و السياسي و الجمالي فلا يمكن تدريسه إلا في المقابر حسب السيد الوزير الذي يعتبر كليات الآداب و العلوم الانسانية مقابرا ليس إلا..
رحلت عن دنيانا أيها الأستاذ و أيتها الأستاذة. أقصد علماء علم الإجتماع من أمثال فاطمة المرنيسي و محمد جسوس و ذلك العبقري الذي رشح لجائزة نوبل ” محمد الحبابي” و عبد الكبير الخطيبي. و أتمنى أن لا يحزن من وهبوا حياتهم للثقافة و عاشوا و هم يسمعون في هذا الزمان البئيس من ينعت كليات الأدب و الحقوق بالمقابر. وزير لا يحمل أي وزر يبعث اليأس في نفوس عشرات الآلاف من شباب المغرب. أعرف أنك تتكلم بلغة تعطي الأولوية لنخبة النخبة. و لكن أمثالك و هم الأهم في هذا الواقع المرير لا علاقة لهم بواقع المغرب الصامد. لولا كليات الآداب و الحقوق، لأقفلت المدارس و المحاكم و ساد الظلم و الظلام في كل شبر. حول المقابر تجد الكثير من الجهات فرصة للتكفير لا للتكفير. و لعلمك يا وزير المقابر، فاغلب . الفكر الإرهابي لهم تكوين علمي و هندسي و في علوم الكمبيوتر و لكن لم يكن لهم ذلك الفكر “النقدي” الذي يقيهم من قبول كل سلوك إنساني على أنه حقيقة مطلقة.
لا أعرف يا وزير المقابر، واؤكد على ذلك لكونك قلت أن هذه المقابر تشكل 80% مت من المنظومة التعليمية الجامعية التي أنت المسؤول السياسي الأول عليها، إن كنت على علم أن معرفة التاريخ و الجغرافيا هي سلاح من أجل حماية وحدتنا الترابية. اوافقكم على أن ثلة العلماء و المهندسين و كافة خريجي المعاهد التي تعتبرونا مؤسسات مهمة بالنسبة لخريجيها و للاقتصاد الوطني. و لكن الوطن لا يحتاج فقط إلى خريجي المعاهد التي تتخرج منها نخبة النخبة. الوطن يحتاج إلى المعلم و أساتذة التاريخ و الفلسفة و الأدب و علم الإجتماع و غيرهم ممن سيعيشون حياتهم براتب متوسط لا يلبي كثيرا من حاجياتهم. السيد وزير المقابر يحب فن ” الشيخات ” و هذا ما تبين من خلال تفاعله مع استفزازات الرمضاني الفنية ذات الطابع المهني.
حرام على أمثالي كما هو محرم علي ترك الخلط بين الحابل و النابل. في زمن قريب مضى، كان طلبة جامعات المغرب في كافة تخصصاتهم يحملون الوطن على اعناقهم. الموقف السياسي و الإجتماعي لم يكن سجين نوعية التخصص و لا مفرقا بين الطبيب و المهندس و أستاذ العلوم الانسانية و الآداب. و الكثير من المناضلين من أجل إستقلال المغرب و من أجل بناءه الحقوقي و الدستوري و الثقافي و الإقتصادي كانوا لا يفرقون بينهم بحكم تخصص أكاديمي. الكل كان يعمل من أجل رفعة الوطن. و الآن يقول وزير التعليم العالي بكثير من الثقة أن كليات الآداب و الحقوق هي مقابر. و كما قال أهل الصوفية “كل ما فوق التراب تراب” . و نسي السيد الوزير المحب لفن الشيخات أن المرحوم الحسن الثاني كلف محمد عزيز الحبابي بتنظيم مؤتمر عالمي في المغرب حول الفلسفة. الأوطان يا وزير المقابر و بعض المعاهد العليا تبنى اعمدتها بالعلم و التكنولوجيا و لكن الأساس يبنى بعلوم اللغة و التاريخ و الجغرافيا و الأثنوجرافيا و علم الإجتماع و السياسة . و كل هذه العلوم جعلت من عظمتها مقابر. لك الله يا وطني أمام أحزاب تحكم و تولى بعض أشباه المسؤولين أمورك. أسمح لي يا وطني و أسمح لمن يحبوك لأن علوم الإنسان تدرس في المقابر.