سعيد الكحل
بعد الولاية الحكومية الأولى برئاسة البيجيدي ، جاء برنامجه الانتخابي (2016) يفوح بهتانا ومزاعم لا يسندها الواقع ولا النتائج . ومن تلك المزاعم (حرصت الحكومة، بقيادة الحزب، على تنزيل الإصلاحات السياسية التي أتى بها الدستور في إطار من التعاون والتكامل بين المؤسسات، كما انتهجت مقاربة تشاركية مع الحلفاء في الأغلبية الحكومية وداخل اللجان البرلمانية ومع قوى المعارضة السياسية. وانفتحت الحكومة كذلك على القوى المدنية ذات الصلة بالسياسات العمومية).
واليوم ، وقد مرت عشر سنوات على رئاسة البيجيدي للحكومة لا زالت كثير من البنود الدستورية معطَّلة؛ مما يعني أن كثيرا من “الإصلاحات السياسية التي أتى بها الدستور” لم تر النور بعد.
وما يروّجه الحزب من مزاعم حول “انفتاح الحكومة على القوى المدنية”، أو انتهاجه “مقاربة تشاركية” فقد فندها جلالة الملك، بكل وضوح وصراحة، في أكثر من مناسبة، كما فندتها هيئات المجتمع المدني. هكذا خاطب جلالته الحكومة ورئيسها عند افتتاح البرلمان في أكتوبر 2015: ( إن ما ينتظركم من عمل، خلال هذه السنة، لاستكمال إقامة المؤسسات، لا يستحمل إضاعة الوقت في الصراعات الهامشية. فمشاريع النصوص القانونية التي ستعرض عليكم شديدة الأهمية والحساسية.. ونذكر هنا، على سبيل المثال، مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وممارسة حق الإضراب ومجلس الوصاية). كما سبق ووجهت الفعاليات والتنسيقيات المدنية الأمازيغية (370 جمعية) مراسلة إلى الديوان الملكي تنتقد فيها مقاربة حكومة عبد الإله بن كيران مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية . فالشراكة التي يزعهما البيجيدي سرعان ما كشفت مراسلة الجمعيات الأمازيغية عن ألاعيب الحزب ومناوراته بـ”تحريف الكثير من المفاهيم المتعارف عليها في الحياة السياسية الديمقراطية، ومنها مبدأ “الشراكة”، حيث يعمد الحزب الأغلبي عبر وزيره المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني إلى محاولة صنع مجتمع مدني على مقاسه ولأغراضه الخاصة.. ، فإن الحزب الأغلبي لم يخف استهتاره بمطالبنا عندما عمد في نوع من المزايدة المكشوفة، إلى محاولة تقديم مقترح قانون لحماية اللغة العربية بشكل منفرد وبمعزل عن الأحزاب المشاركة له في الحكومة“. هذه هي “المقاربة التشاركية التي يدعي البيجيدي اعتمادها مع القوى المدنية.
إن المناورات التي نهجها البيجيدي على رأس الحكومة فيما يتعلق بقانون تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ، هي نفسها التي ينهجها بخصوص المقتضى الدستوري بإحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، التي ظل يماطل في إصدار القانون المنظم لها، وحين أصدره جاء مخيبا لآمال النساء لكونه، حسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان (لم يحترم مجهودات المجتمع المدني، الذي ساهم بأزيد من 80 مذكرة في الموضوع حين الإعداد الأولي لمشروع القانون في تفعيل لدوره الدستوري، وأن مشروع القانون المقدم من طرف وزارة التضامن أسقط الكثير من مقتضيات الوثيقة، التي قدمها المغرب للجنة البندقية حول الهيئة. و يعكس نقصًا في عدم تغطية الاختصاصات المهمة المنوطة بمثل هذه الهيئات المصنفة وفق الدستور ضمن الهيئات الموكل إليها حماية الحقوق والنهوض بها). وهذا دليل آخر على كون البيجيدي ينهج سياسة الإقصاء ضد الهيئات والتنظيمات التي لا تشاركه مرجعيته الإيديولوجية. إذ لا يمكن للحزب الذي يتبنى مواقف عدائية لحقوق النساء وخاض معارك شرسة ضد مطالبهن بتعديل المدونة، وأيضا ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، أن يقدم مشاريع قوانين تتبنى مطالب النساء وتحترم التزامات المغرب الدولية. فالحزب ، لم يكتف فقط بإحداث هيئة كسيحة لا تتوفر على أي سلطة، بل إن معظم أعضائها يعينهم رئيس الحكومة، وإنما يصر على عدم تشكيلها رغم النواقص. فمنذ صدور الظهير الشريف رقم 1.17.47 المحدث للهيأة بالجريدة الرسمية عدد 6612 بتاريخ 12 أكتوبر 2017 إلى اليوم لم تخرج الهيئة إلى الوجود ولم يُعيّن أعضاؤها وعضواتها. ومسألة التعطيل والتأجيل والمناورة لا تتعلق فقط بقضية الأمازيغية أو المناصفة ، وإنما تشمل كذلك قانون الإضراب الذي ظل إلى اليوم مجرد مشروع قانون ترفضه النقابات وتطالب بإشراكها في صياغته وتغيير عدد من بنوده التي تستهدف الحق في الإضراب، وتعطي لرب العمل الحق في مطالبة العمال المضربين بالتعويض عن الأضرار التي تلحقه جراء لجوئهم إلى الإضراب.
ومن تناقضات البيجيدي كذلك:
الادعاء بـ “إقرار العدالة وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية والتعيين في المناصب العليا”، بينما في الواقع يعتمد معايير المحسوبية وتقاسم كعكة الريع مع الحلفاء. وحين استفحل الوضع وجه جلالته الانتقاد إلى الحكومة ورئيسها في خطابه الافتتاحي للبرلمان في أكتوبر 2020 كالتالي( ندعو الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين، في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية، على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية). فالحزب الذي يدعي “العدالة” في التعيين بالمناصب والولوج إلى الوظائف يعتمد إستراتيجية اختراق مفاصل الدولة بتعيين أعضائه في المناصب العليا وفي الوظائف التي تحدثها القطاعات الحكومية التي يشرف عليها وزراؤه. وغني عن التذكير بالفضيحة التي أثارها توظيف ابنة بنكيران في الأمانة العامة للحكومة، حين كان رئيسا للحكومة، وذلك بتفصيل شروط الترشيح على مقاصها (المباراة كانت مفتوحة في وجه خريجي شعبة القانون الخاص فتم تغييره لفائدة خريجي شعبة القانون العام حتى تستفيد ابنته). وآخر فضائح التوظيف خارج معايير الكفاءة ما أقدم عليه وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء بتخصيص (60 منصبا) لفائدة أعضاء حزبه، وأما المباراة فتظل إجراء شكليا.
يتبع …