سعيد الكحل
لقد أبانت التجربة الحكومية برئاسة البيجيدي أن هذا الأخير يعطي وعودا ولا يلتزم بها. فكما استفرد بقرارات عديدة داخل الحكومة، همش كذلك هيئات المجتمع المدني؛ ومن ثم فإن مزاعمه حول التعاون مع الفرقاء السياسيين لا أساس لها من الصحة؛ مما يفقد خطابه عن الشراكة والتعاون كل مصداقية، حتى خطابه الذي قال فيه “إن نهج الشراكة والتعاون الذي نصت عليه أطروحة المؤتمر السابع ليظل ثابتا ومكونا رئيسيا في منهج حزب العدالة والتنمية …وكذلك الشراكة مع الفاعلين السياسيين ومع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين والمجتمع المدني”.
فخلال العشر سنوات التي قضاها البيجيدي على رأس الحكومة ظل يناور ويتحايل على مطالب الهيئات المدنية، سواء بتأجيل أجرأة الدستور ، كما هو الشأن بالنسبة لهيئة المناصفة التي لم تر النور بعد، أو بوضع قوانين لا تلبي الحد الأدنى من المطالب، كما هو الشأن بالنسبة لقانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي انتقدته مكونات الحركة النسائية باستثناء تلك المنتمية إلى تيار الإسلام السياسي، لأنه لم يستوعب أغلب العناصر الأساسية للتشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة التي ضمنتها الأمم المتحدة في دليلها الصادر سنة 2012. ورغم كون المغرب اعتمد “سياسـة عموميـة مندمجـة للمـرأة كإطـار لتحقيـق التقائيــة مختلــف المبادرات المتخذة لإدماج مقاربــة النــوع الاجتماعي في السياســات الوطنيـة وبرامـج التنميـة، وفـق إجـراءات دقيقـة لتنزيـل المساواة ومكافحـة كل أشـكال التمييــز والعنــف” حيــث صادقــت ســنة 2012 عـلـى خطــة للمسـاواة “إكـرام 1 ” (2012-2016) التي تهـدف إلى المشاركة الكاملـة والمنصفة في مختلـف المجالات، كمـا أطلقت الحكومة النسـخة الثانيـة للخطـة “إكـرام2” (2017 2021) حسب ما أعلنته وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة. إلا أن آثار الخطتين لم تظهر، على المستوى العملي، حيث ظل ولوج النساء إلى المناصب الحكومية والإدارية العليا متواضعا. فحسب تقرير حول الموارد البشرية أعدته وزارة المالية لسنة2021، فإن واقع الحضور النسائي في المناصب العليا، وهي المناصب التي يجري التداول بشأنها في المجلس الحكومي، ظل حضورا ضعيفا بحيث بلغ عدد النساء في المناصب العليا 137 تعييناً من أصل ما مجموعه 1160 منصباً، وهو ما يمثل نحو 12 بالمائة من مجمل التعيينات منذ سنة 2012 إلى النصف الأول من العام 2020.
إذن ، فإذا عجزت الحكومة برئاسة البيجيدي عن تطبيق المناصفة خلال عشر سنوات ، فكيف يعد الحزب ” في حالة حصوله على ولاية ثالثة، بتفعيل المقتضيات الدستورية، بالسعي نحو المناصفة وإقرار القوانين التنظيمية ذات الصلة وذلك من خلال الرفع من التمثيلية النسائية في الوظيفة العمومية وفي المناصب والوظائف العليا، وتقوية القيادة النسائية، وضمان مشاركة سياسية واقتصادية وازنة للنساء”؟ فهل تجاوز البيجيدي ذاته وغيّر عقائده الإيديولوجية المناهضة لحقوق النساء ؟ تكفي العودة هنا إلى مطالب القطاع النسائي لحزب العدالة والتنمية بضرورة الإبقاء على زواج القاصرات وعدم تجريمه أو منعه كما تطالب بذلك الهيئات النسائية(حسب وزارة العدل فان طلبات زواج القاصرات بلغت 32 ألفا، سنة 2019، قُبل منها 81 %). فالحزب لم يعلن عن مراجعة قناعاته الإيديولوجية التي جعلته يطالب بفرض الولاية على المرأة في الزواج ومنعها من أن تكون ولية على نفسها . فما يعلنه البيجيدي في برنامجه الانتخابي ، فيما يتعلق بحقوق النساء وبالمناصفة والمساواة ، يناقض عقائده ، بحيث لن يقر مثلا بحق الأم العازبة (الأسرة الأحادية المسؤولية) في الاستفادة من صندوق التكافل الاجتماعي.
انتهاج سياسة اجتماعية داعمة للفئات الفقيرة والهشة !!!!.
من تناقضات البرنامج الانتخابي للبيجيدي ادعاؤه ( لقد اختارت الحكومة منذ البداية، وبشكل واع، أن توجه سياستها الاجتماعية بدرجة أولى إلى الفئات الفقيرة والهشة لضمان قدر من التوازن الاجتماعي، مع سن سياسات أخرى للحماية الاجتماعية عادت بالنفع على مختلف الفئات المتوسطة والفقيرة، والرهان على التشغيل وتقليص الفوارق الترابية والمجالية). إن السنوات التي قضاها البيجيدي على رأس الحكومة لم تشهد تحسنا في المستوى المادي والمعيشي للفئات الفقيرة والهشة فقط، بل عمّقت فقرها وألحقت بها فئات واسعة من الطبقة الوسطى.
ففي استطلاع للرأي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2018، يظهر أن “الأسر المغربية تعاني، خلال الأعوام الماضية من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما يدفع العديد منها نحو الاقتراض بدلاً من الادخار”. كما كشفت معطيات أخرى لمندوبية التخطيط، خلال الفصل الرابع من سنة 2019، بأن معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة، بلغ 43%، وأن 82,3% من الأسر صرحت بعدم قدرتها على الادخار مقابل 17,7% فقط، فيما لجأت 32.6% من الأسر المغربية إلي الاستدانة لتغطية نفقاتها. وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة تواجهها غالبية الأسر المغربية بسبب ارتفاع كلفة المعيشة الناتجة أساسا عن قرار تحرير أسعار المحروقات الذي اتخذته حكومة البيجيدي؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع مؤشر الثقة لدى الأسر المغربية إلى 79.1 في المائة، خلال الربع الأول من 2019، والذي يعكس تصور الأسر لتطور البطالة وكلفة المعيشة ووضعها المالي وقدرتها على الادخار وقدرتها على مواجهة تكاليفها اليومية وعزمها على اقتناء التجهيزات الدائمة.
من الحقائق التي يخفيها البيجيدي في برامجه الانتخابية لكونها تكشف عن فشله في تدبير الشأن الحكومي، أن حصة المواطن المغربي من الناتج الداخلي تعد ضعيفة للغاية، بحيث لا تتجاوز 4550 دولار في السنة، فيما يصل المعدل العالمي إلى أزيد من 9540 دولار، فضلا عن كون نسبة السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر المطلق بالمغرب قد انتقلت من 6،6 بالمائة إلى 11،7 بالمائة داخل المناطق القروية، و عدد الأسر المعوزة قد انتقل بدوره من 56،8 بالمائة إلى 60،5 بالمائة، و المعدل الإجمالي للفقر على المستوى الوطني قد انتقل هو الآخر من 13،6 بالمائة إلى 22،1 بالمائة(تقرير”الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان” 2019). وهذا ما أكده نزار بركة ، الأمين العام لحزب الاستقلال خلال الندوة الصحفية ليوم 15 غشت 2021، حيث ذكر أن مليون فقير انضاف إلى الطبقة الفقيرة بعدما كانوا يصنفون ضمن الطبقة الوسطى.
يتضح من هذه المعطيات أن البرامج الحكومية لمحاربة الفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية لم تحقق أهدافها، بسبب غياب التوزيع العادل للثروات، فضلا عن قانون “عفا الله عما سلف” الذي اتخذه بنكيران وسار عليه العثماني. ويعبر عن هذه الوضعية متوسط الدخل الشهري للفرد المغربي الذي بالكاد يصل إلى 1793 درهما، ما يعادل 21.515 درهما في السنة، حسب مذكرة أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط تحت عنوان “دخل الأسر.. المستوى والمصادر والتوزيع الاجتماعي” وتهم سنة 2019 (متوسط الدخل الفردي في الوسط الحضري يصل إلى 2083 درهما في الشهر، وحوالي 24.992 درهما في السنة. وفي الوسط القروي، لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري 1297 درهما، وفي السنة في حدود حوالي 15.560 درهما)
.يتبع …