جلست فاطمة بجانب زوجها في الصالون تنسج قميصا من صوف بلون السماء .. انشغل عنها أحمد بفرمتة الهاتف وإعادة برمجته ..
وهي تنسج سرح بها الخيال بعيدا .. فكرت في الجنين الذي سيخرج الى الوجود قريبا .. تخيلت عشرات الاسماء .. تبادر الى ذهنها اسم والدها عبد القادر وعمها عبد الكبير وجدها عبد الرحمان .. تحب عائلتها الى درجة الجنون .. لكن إحساسا ما يجعلها ترغب في منح ابنها اسما جديدا . ولا تريد له أن يتشبه بأحد .. اسم تختاره هي بنفسها .. لا بأس أن تستمع إلى اقتراحات العائلة والصديقات لكن لا تريد لأحد ان يشاركها في حسم الاختيار غير زوجها أحمد .. أعجبها من الاسماء مروان وياسر وعامر بالنسبة للذكور .. وبسمة وصفاء ونسيم بالنسبة للإناث …
انتهى أحمد من إصلاح الهاتف وإعادته الى حالته الطبيعية وناولها إياه فأيقظها من حلمها الجميل .. قالت وهي تبتسم :
ـ أتعرف فيما كنت أفكر ؟ (ووضعت يدها على بطنها) .. تخيلته يكبر بسرعة ويذهب الى المدرسة وتمنيت لو تخرج طبيبا أو مهندسا .
لم تسمع بعد بالقربلة التي حدثت في البرلمان حول لغة التدريس .. هاتفها كان معطلا .. قال لها :
ـ الامور معقدة نوعا ما .. حكومتنا لا زالت منقسمة حول المشروع الجديد الذي يحدد اللغة التي سيدرس بها ابننا في المستقبل .. قالوا بأنهم توافقوا على ما سموه بالتناوب اللغوي في تدريس المواد العلمية . لكن قبل اجتماع اللجنة البرلمانية التي كان من المفروض أن تصادق على المشروع ، خرج رئيس الحومة السابق في فيديو لايف يهدد صديقه بأن يهدم جدران البيت الحزبي على رأسه إذا صوت على هذا المشروع .. وتبعه أصحاب اللحي والتسابيح وقالوا بأنهم يرون فيه تهديدا لأبنائنا وتخريبا للهوية ولغة الاسلام والتاريخ والحضارة ووو ..
ردت عليه باستغراب :
ـ قرأت من قبل أن الاسر الميسورة تسجل أبناءها في مدارس البعثات أو المؤسسات الخاصة وهي تدرس أغلب المواد باللغات الاجنبية .. وعندما يحصلون على الباكالوريا يطيرون الى فرنسا أو لندن أو كندا او أمريكا .. وبعد التخرج يعينون في المناصب العليا التي تنتظرهم .. بعضهم عندما يأتون به الى التلفزيون للإدلاء بتصريح لا يعرف التحدث حتى بالدارجة ..
وضع يده على بطنها وقال :
ـ المشكل أصبح مع الأثرياء الجدد أصحاب اللحي والخمر والتسابيح والدواعش الذين اغتنوا فجأة بعد اعتلائهم للمنابر ومناصب الوزارات وكتابات الدولة والبرلمان وعمادات المدن و الجهات … رئيس الحكومة السابق نفسه سجل ابنه بليسي ديكارت بمدينة الرباط .. ورئيس فريقه البرلماني يدرس ابنه بنفس الليسي وبنته حصلت على باكالويا فرنسية قبل سنتين … لكنهم لا يريدون لأبناء المغاربة أن يسيروا على نفس المنوال ..
وضعت يدها على يده أحست بدبيب خفيف يسري في دمها .. تم قالت :
ـ تسجيل أبناءهم في مدارس خاصة أو أجنبية لا يشكل خطرا على الاسلام والعروبة .. ؟ تعلم ولد فاطمة باللغات الاجنبية هو الذي يشكل خطرا على الهوية ..
مادام ابناؤنا هم الموكول اليهم الحفاظ على الهوية لماذا خربوا المدرسة ؟ يريدون الحكم على أبنائنا بأن يدفنوا معنا داخل هذه العلب الاسمنتية التي اعتقلونا فيها ؟
أولاد الحرام .. سيخرجون الكلام الكبير : التكبير والمدينة وخيبر والإسلام والحروب الصليبية والحضارة وحماية الدستور فقط على أولاد الفقراء مثلنا ..
من كثرة خبثهم حتى الخميرة أصبحوا يتبركون بالحج لشرائها من اسطمبول ..
يريدون الظهور للناس مثل الغيوم الجميلة لكنها جافة لا تحمل مطرا ..
اكتب لهم ولمن فوقهم في الدوحة واسطنبول وقندهار .. اكتب لهم في الفايس بوك بأن فاطمة تريد أن تعلم أولادها القادمين وأولاد جيرانها بالعربية والامازيغية والفرنسية والانجليزية والاسبانية وحتى الصينية واليابانية لو أمكن ..
حميد اليوسفي / مراكش