حسن إدوعزيز
ويروى، والعهدة على القائل، أن اليهود وُجدوا بالجنوب المغربي قبل ما يزيد عن أربعة قرون قبل الميلاد، وكان لهم الفضل في تشييد العديد من المدن هناك… كأغمات، ونفيس، وإيگلي، وتازروت، وتاگمدارت، وتامگروت، وتامدولت، وتيدسي..
وتشير بعض المصادر، أن المسيحيين دخلوا تحت حمايتهم، وتعايشوا معهم لمدة طويلة، قبل مجيء الإسلام.. ولم ينشب الصراع بين الطائفتين إلا عند محاولة كل طائفة منهما السيطرة على محاور التجارة القفلية المارة عبر تلك المدن… مما يدل على القوة والسلطة التي كان يتمتع بها اليهود المغاربة بتلك الربوع..
بل هناك من يشير أن الخوارج أنفسهم لما استقروا بالجنوب، لتأسيس حاضرتهم بدرعة (757-758م)، دخلوا بدورهم تحت حماية اليهود، وتعايشوا معهم في سلم وأمان لمدة طويلة.. إلا أنه لما كثر عدد المسلمين، وتقوت أعدادهم، على عهد الأدارسة وما بعده، طمحوا إلى تقسيم المجال مع اليهود.. مما أدى إلى صراعات متواصلة.. انتهت بسيطرة المسلمين على المجال، وعلى التجارة به، مع نهاية القرن 5 وبداية القرن 6 الهجريين (ق12/11م).. على عهد المرابطين والموحدين…
ولعل هذا يؤكد ما ذهب إليه مفكرنا الأستاذ عبد الله العروي..، على أن الدعوة الدينية كانت شرط قيام الدولة، بالمغرب الوسيط، لكنها لم تكن أبدا شرط استمرار.. الذي هو التحكم في الأساس المادي (لمحاور التجارة القفلية).. وهو نفسه ما يفسر ذكاء “أبي عمران الفاسي”، و”وگاگ بن زلو اللمطي”، وهم يوجهون “ابن ياسين” لتوحيد المسلمين عبر قوة المحاربين الملثمين (المرابطين).. ويفسر في الحين نفسه.. مسألة عودة “ابن عمر اللمتوني” إلى ثخوم “غانة” لتأميم وتأمين تدفق التبر، ما إن استقر له الأمر بأغمات.. وتأتى له وضع “الحجر” الأساس لمراكش.. كقاعدة متينة للزحف بلا هوادة نحو الشرق والشمال…
فيبدو أن تاريخنا يؤكد بأن اليهود والمسيحيين والمسلمين المغاربة استفادوا من التعايش فيما بينهم..، بهذا المجال، منذ غابر الأزمنة.. ، الشيء الكثير…
أستاذ