إدريس الأندلسي
مبادرة فريدة و مفيدة لوالي مؤسستنا الأولى في مجال المال و سياسة الاقراض و الصرف و سوق النقد و ضبط حركة التحويلات، تمثلت في التوجه إلى مجلس النواب بعد أن أنتهت دورته الدستورية. بالطبع يستمر عمل اللجان و لا يستمر معها نفس الزخم السياسي و لا التدافع من أجل التشريع. استاثر العرض التنقنوقراطي للسيد الوالي ذو الماضي السياسي حوالي خمس ساعات. وتم استحضار المعطيات حول توجه القرار الإستثماري عالميا و جهويا ووطنيا.
و لأن الأمر يحتاج إلى الاستعانة بالأرقام فقد امتلأ عرض السيد الوالي بمعطيات قد تبين أن نسبة الإستثمار بالمغرب خلال حوالي 20 سنة ( 2000 إلى 2019) قد تجاوزت معدل الدول ذات الدخل المتوسط بحوالي سبع نقاط أي 32،2% مقابل 25،6%. و هو ما أدى بمن أعد تقرير البنك إلى اعتبار هذه النسبة ” تبقى…مبدئيا كافية لتحقيق آمال اللحاق بركب النمو الاقتصادي…” وواصل المقرر لغته، غير الاقتصادية، في اعتبار نسبة نمو الإستثمار مقارنة مع بعض الدول ” معجزات اقتصادية “.
ثم يرجع التقرير إلى أرض الواقع ليخلص إلى أن هذه المعدلات و النسب لم تمكن المغرب من اللحاق بركب الدول الصاعدة. و كل هذا يرجع، حسب التقرير، إلى “الضعف النسبي لمردودية الإستثمار ببلادنا” حيث أن هامش 5،7% يظل دون ما تحققه بلدان مثل البرتغال و كندا و كوريا الجنوبية و إسبانيا على سبيل المثال. و لأن المعطيات تبين الأثر الضعيف للنمو و للإستثمار فقد بينت الاحصائيات تراجع معامل نقطة نمو بالنسبة لعدد مناصب الشغل المحدثة. و قد تراجعت هذه الأخيرة من 30 الف منصب شغل خلال الفترة ( 1999- 2009) إلى أقل من 21 الف منصب شغل خلال الفترة ( 2010-2019) . و هذه إشارة واضحة إلى تدبير سياسي حكومي دام لفترة كبيرة قادها حزب العدالة و التنمية إلى جانب أحزاب يقود بعضها الحكومة الحالية.
وامتلأ التقرير الذي قدمه والي بنك المغرب بمعطيات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط تبين أن القطاع العمومي يساهم بشكل مهم في مجهود الإستثمار و هو شيء معروف جدا. و اعتمد التقدير على معطيات مكتب الصرف لاستنتاج أن حجم الاستثمارات الخارجيه، التي بلغت ما معدله 22 مليار درهم سنويا ، يظهر جاذبية المغرب. و هذا الاستنتاج فيه ما فيه من التجاوز البلاغي الذي يتحدى المعطى الاقتصادي. الأمر لا يتعدى 2 مليار يورو أيها السادة و هو رقم عادي جدا و لا يمكنه احداث طفرة نتمناها.
و بعد استعراض معيقات الإستثمار المتعلقة ببنية المقاولة و محيطها البنكي و حجم المعيقات و من ضمنها اجال الأداء و التي تؤثر على معدل السيولة المالية و آثار الجاءحة ادريسالكبيرة و خصوصا على عدد الاجراء المصرح بهم ، يسعى التقرير إلى بعث روح الأمل في مدى تأثير نمو الإستثمار و تأثيره الكبير على نسبة النمو. و يؤكد صندوق النقد الدولى على أن زيادة نقطة في الإستثمار تزيد نسبة النمو بحوالي 2،7% .
وخلال عرضه أمام النواب، ركز السيد الوالي على أهمية تدخلات المؤسسة التي يراسها منذ عقود. فهي الضامنة لاستقرار الأسعار و الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين. و هذا يحتاج إلى حجج على أرض الواقع في ظل ما تعانيه الطبقات ذات الدخل المحدود من هشاشة أمام إرتفاع الأسعار. و يستمر العرض في مجالات عدة قريبة إلى تقديم حصيلة مرحلة من تاريخ مؤسسة عريقة خلقت خلال السنوات الأولى من الاستقلال.
لعل الأمر كذلك في ظل الحديث المتواثر عن قرب انتهاء مرحلة و بداية أخرى. و لعل موضوع الإستثمار يستحق أن يكون رسالة إلى من يهمه الأمر. و لأن الرسالة هي نوع من تبيان ما تم فعله، فإنه من الواجب التأكيد بمسؤولية على حال الإقتصاد الوطني بعد الانتعاش “سيعود إلى وتيرة نموه” أي نسبة ضعيفة تناهز حوالي 3،5% و غير قادرة على خلق فرص شغل كافية.
ويكرر التقرير ما جاء في البرنامج الحكومي و في قانون المالية و في التصريحات المختلفة لتعزيز النسيج الاقتصادي و مواصلة محاربة الفوارق و تسريع تنفيذ الإصلاحات. كان من المنتظر أن يقول والي بنك المغرب للبرلمان أنه تقرر اتخاذ إجراءات للحد من صعوبة الولوج إلى التمويل و تحسين شروط التعامل مع ملفات المستثمرين و الانفتاح على المشاريع التي ستخلق ثروة مغرب الغد بعيدا عن الإفراط في تفضيل المقاول عن المشروع.
إدريس الأندلسي