تقديم : حسن أوريد
يقوم مولاي عبد الله العلوى بنفض الغبار عن هذه التحفة الثقافية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس ، فكان هذا العمل قطر ، وعساه أن يعقبه غيث ، إما في جهد موصول يقوم به ، أو قد تستحث الحمية ذوي الهمم ولن يقدر على ذلك إلا مـن درج في رحـاب مـراكش ، وتشـبع بروحها ، وشغفته حبـا ، وهـو حـال مـولاي عبد الله ، لـم يصـرفه انخراطـه فـي القضايا العامـة ، ولا دراسـاته الحقوقية ، ولا اشتغاله بالمحاماة أن يفي بدين واجب في حقها . تـظـل مـراكش ككـل المـدن التاريخية ذات أســبار وألغاز ، لا تفصح عن مكنونها لأول وهلة ، أو هي كحجرة كريمة ذات أوجه عدة . هي مدينة المآثر التاريخية ، وذاكرة الفلاسفة والأولياء ، والهندسة المعمارية والجنان ، وهي كذلك مدينة المشاهير بنظام عيشهم الباذخ ، ومن يتوقون للغرائبية .
بيد أن هناك جانبا لا يستطيع أن ينفذ إليه المرء إلا إن أخذ بيده ، من أجل استكناه الثاوي في وجدان المدينة ، وهو ذلك المرتبط بحيـوات الناس البسطاء ، ومن العسير على من لم يرضع من ثدي مراكش أن يقف على تلك الأسرار ، أو ينفذ إلى مكنـون تلك الحكايات التي تنتظم كحبات سبحة ، أوكسيل حکایات شهرزاد . التي بسرد يقف مولاي عبد الله على جامع الفنا وتاريخها ، ومن ملؤوا فضـاءها وسيرهم وضـروب حـيـواتهم والألقاب لقبوا بها ، وضروب الحلقة . لا يكتفي مولاي عبد الله مـن تـردد على جـامع الفنـا ، بـل يـجـري مـا يشـبه مسحا سوسيولوجيا ، حـول ضـروب الحلقة ، ومـا تعـج بـه مـن أصناف ، من الوعاظ والحكائين أو الحكواتية ، والمطربين وأصحاب الألعـاب مـن صـاحب الحمام ولاعـب الدراجة وصاحب البنادق ، وصاحب التلفـون ، وحلقات القمـار والهزل والملاكمة والكولف ، ورهان المشروبات ، ومروضي الأفاعي ، وبائعي الأعشاب ، والعرافين ، والقرادين ، وحلقات الغناء وأصنافها ، ومن ينشـط فـردا ، ومن يشكلان ثنائيا ، الحلقة الجماعية ، ومن هو في دائرة الحكي ، ومن يستدر الـرزق بالألعـاب ، وقـارئـات الـكـف ضـاربات « الكارطـة » ، وبائعي الأعشاب والدواء ، والأغرب النساء من تبعن دواء الفحولة ، في غير حرج ، ويقف مولاي عبد الله إلى من يؤثث الفضاء من المتسولين وحيلهم ، وبائعات الخبز ، وما أدراك وبائعات الخبر ، ومـا قـد تخفي المظاهر ، وما يفصح به شجارهن ، ومـا ينشأ عليـه ذرتيهم مـن شـطارة تهيئهم إلى الفتوة .. بل تفتح جامع الفنا صدرها لبعض من جماعات الهيبي ، ممن تواروا الآن ، ولم يثبت أحد عليهم .