قالت :
إوا اذا خليتهم يقبضوك، راه غادي يعذبوك آ ولدي وإذا وقع هاذ الشي ، وانا على قيد الحياة ، راه ما نقدر نتحملو ، وغادي تخرج روحي بسببك ، أولدي ( = إذا اعتقلوك سيعذبونك ، ولن أقدر على التحمل وساموت بسبب ذلك ) و وبدأت تدعو له كي يقبل المغادرة ، فاستجاب لطلبها .
حينذاك تتبعت كيف سيتعانل مع ذلك الموقف. بدأ اولا بايتبدال ملابسه : غير هندامه ، الذي كان معروفا به ، بحيث كان يلبس دائما لباسا ابيض ( جلباب من توع السدى ) و لأول مرة رأيته يرتدي جلبابا بنيا من نوع ” ساركا ” ، وأتذكر جيدا أن هذا الجلباب كان أكبر من مقاسه، على عجل من السوق ، خلافا لما كان يفعل ، إذ كان يخيط جلبابه عند الخياط غادر البيت ، واقتفيتةاثره لكن لم اعرف وجهته.
ما ، إلا برهة حتى حضر رجال الامن مصحوبين بمقدم الحي المدعو البزار ، وبالمخازنية . قرعوا الباب ، وسألوا عن أبي ؛ لم أذكر من أجابهم بأنه لا معرفة لنا بالمكان الذي قصده . سالوا عني بعد ذلك ، أجابوهم بأنني موجودا . وزرع هذا المشهد الرعب في قلب أمي ، لأنهم يعرفون أني كنت على علاقة حميمة بأبي . فانتابها الخوف من أن يلقى على القبض ي انتظار أن يسلم أبي نفسه ، كانت هذه طريقة تسلكها سلطات الحماية للضغط على العائلة ، وكذلك فهم الأمر . فكر أفراد عائلتي في تهريبي إلى مكان ما ، ولأجل ذلك ألبسوني لحاف الفتيات ، وكان شائع الاستعمال ، آنذاك ، إذ لم تكن ” الجلابية ” قد دخلت بعد في عادات لباس النساء ، رافقتني سيدة كانت تشتغل عندنا ، نسميها ” اخييتي زهرة ” ، كي ثموه على كل عين راصدة من لدن المراقبة الملازمة لحانوت ، في باب درب سيدي أحمد بناصر . وذهبت بي إلى سيدة ، كنا ندعوها الجدة ، وهي في واقع الأمر ” قابلة ” ، مولدة العائلة ، كانت تسكن قريبا من المنزل ، في درب ” بونوار ” ، في الطريق المؤدية إلى ” الموقف ” . لم يعد أحد يسأل عني حتى لا يجد المراقبون خيطا يربطهم بي . وبعدها نقلوني إلى منزل جدي ، في رياض العروس بدرب الحمام ، إلى حين رجوع أبي ، الذي كان قد توجه إلى الدار البيضاء ، ومنها أبحر إلى السينغال ، كان له هناك صديق هو مولاي علي يتعامل معه ، في التجارة . كانا يتبادلان بزر الغنم بصوفها ( الهياذر « فروة » )، واللبدة ، والقطران المستعمل في علاج الحمير ، والبغال ، والجمال من أمراض جلدية كثيرة الانتشار حتى بالنسبة إلى الانسان : كالجرب ، و ” الكوب ” ، كان لصديق أبي علاقة تجارية مع الزاوية التيجانية ، التي كانت تقتني ما يشتريه أبي في المغرب . استقبل ذلك التاجر أبي هناك ، بعد هذه الحادثة ، واعتنى به مدة في السينغال ، ثم ودعه أبي ، ورجع إلى المغرب .
اتجه أبي رأسا عند عودته إلى منطقة دكالة ، التي كان يملك فيها اراضي فلاحية ، وفضلا عن ذلك فإن نفوذ الكلاوي لم يكن ممتدا إلى هذه المنطقة. فيما بعد اتصل بنا عن طريق عمي لمراحل به انا و اختاي عيشة وهشومة ، وجدي . وبعد أيام ، عادوا إلى مراكش ، فيما بقيت مع أبي في اولاد عمران في دوار عيساوة بوكالة الا أن اصبت بالحمى نظرا لانتشار المرض ، بحيث لم أكن أستطيع حتى الكلام ، تأثر أبي لإصابتي بهذا المرض حتى رأيته ، في بعض الأحيان ، يذرف الدموع من شدة خوفه علي. كان أفراد عائلة ” بلخودة ” ، الذين كانوا يعملون في أراضي ابي، قد اقترحوا عليه ان ياتي المرأتين لتعالجاني بطريقة تسمى ” التعريقة ” ، لما لهذه الطريقة من فعالية في العلاج . فلما أتت المرأتان ، استعملتا مزيجا من ورد ، وقرنفل ، وحناء ، وبيض ، وزنجبيل . استعملتا هذا الخليك مع أعشاب أخرى لم أعد أتذكرها ، وطلتا به كل أعضائي ، وألقتا على غطاء دثر جسمي بكامله ، وأحاطتا بي لكي لا أزيله عني . تصببت عرقا كثيرا ، وكنت أتنفس بصعوبة ، والحصيلة ، أنني شفيت ، وأصبحت و حالة جيدة . بعد أيام عدنا إلى مراكش ، ووجدنا أنه تم إطلاق سراح جميع الذين اعتقلوا ، بما فيهم من كانوا قد وزعوا على المناطق ، ومنهم مجموعة كانت في دمنات ، وأخرى في إيمينتانوت . حينما رجعنا إلى مراكش وجدنا منزلنا ، في قاعة ” بناهيض ” ، قد أغلق من لدن الباشا الكلاوي ، وشمع . وكان الكلاوي قد أمر بإغلاق جميع الأمكنة والمجلات ، التي كانت تستعمل في اجتماعات الحركة الوطنية بما فيها منزلنا ، ومنزل عبد الله إبراهيم في حي المواسين ، ودار القادري في حي أسول . كانت هذه الدار عبارة عن رياض كبير يسمح فيه بتنظيم احتفالات عيد العرش ، والاحتفاء بالمناسبات الوطنية . كان إغلاق المنازل يتم بعد إفراغ الدار من العائلة ، وإغلاقها با ” فتقيات ” ، ثم إيداع المفاتيح بين يدي الكلاوي .