الساحة الجديدة
من أصحاب من الحلقة من استمروا لمدة طويلة ، است لاكثر من ثمانين عاما مثل ” قلوش ” أو ” الفطن ” أو لمدة تتجاوز الثلاثين والأربعين عاما ، ولـم يبعدهم عن الساحة إلا المرض أو كبر السن أو الوفاة . ومنهم من مارس الحلقة لمدة قصيرة جدا ، إما لعدم النجاح أو القدرة على استقطاب الجمهور ، أولانتهاء الحاجة التي اضطرتهم إلى هذا العمل والتي قد تكون مادية أساسا ، وأحيانا معنوية كالحلقات التي مارسها / أقامها الأجانب لأهداف ما . إن الاستمرار في ممارسة الحلقة دليل على المدخول الجيد ، لأن الهدف الأول ” للحلايقي ” وربمـا الـوحـيـد هـو المدخول المالي الذي يتقاضـاه مـن المتحلقين حولـه أي الجمهور . وقـد جـرى ” اتفاق ” بين الجمهور وفنان الحلقة على الأداء بعد كل وصلة حوارية أو غنائية ، بمنح مبلغ مالي يختلف من شخص لآخر . وعندما لا يتوفر جمهور بهذه الصفة ، فإن فنان الحلقة يتوقف ويترك الساحة إلى حين ظهـور جمهور جديد مليء الذمـة . وتختلف مواقيت الحلقة ، ففي الصباح والظهـر تـكـون الحلقات قليلـة ، وكـان ” قـلـوش ” أو الـفـطـن يبتـدئ حلقتـه ه في السادسة صباحا خصوصا في الصيف . وتعتبر الذروة هي المساء عندما تبدأ الشمس في المغيب . وقد عانى ويعاني ممارسـو الحلقـة مـن طغيـان باعـة المأكولات الجاهزة والعصائر والفول السوداني الذين استفادوا الساحة أكثر مما استفاد المبدعون ، واستحوذوا على مساحات الساحة ابتداء من المغيب وطوال الليل ، ولم يتركوا إلا مساحات صغيرة لفناني الحلقة الذين يعملون ليلا . من شاسعة من وبعـد غيـاب الـقـدامي والمؤسسـيـن عـن السـاحة والذين استمروا عشرات السنين ، فإن الساحة عرفت تغيرات سواء على مستوى الجمهور أو ممارسي الحلقة . ولـو كـان هـذا التغير بطيئا ، فغيـاب نـوع مـن الحلـقـات استدعى انبثاق حلقـة وفـرجـة جـديـدة ، رغـم محـاولات 2 الجـدد تقليد الحلقات القديمة أو تطويرها ، فقد حاول ” باريز ” أن يعيـد للحكي روعتـه بطريقة أداء جديدة مع ” عبد الرحيم الأزلية ” ، أما ” مجيد الجديد ” فقد اعتمد على النكتة مقلدا ” فليفلة ” ، لكنه أضاف إليها نكتا ذات دلالات جنسية تأثرا بما يجري في الساحة . حـاول الحلايقيـة الجـدد الاعتمـاد على القـديم وتطويره ، واتخذ معنى التطوير عند بعضهم الاتجاه نحو الخلاعة والكلام الجنسي ، الذي أصبح واضحا في عـدد هائل من الحلقات برضا وتجاوب من الجمهور . وقد حاول ” لمسيح ” الجديد أن يقلد ” لمسيح ” القديم ، الذي كان مهرجا في حلقة أولاد سيدي احماد وموسى . أما ” لمسيح ” الجديد فهو يحاول تسلية جمهور حلقته بالسخرية من أحـد المتفرجين ، لملبسـه الـرث أو مظهـره أو قسـماته الخمسة .
خاتمـة
من الصعب استقصاء تاريخ جامع الفناء ، وفنانيها ، وجمهورها ، فتأسيسها كان قبل مائة عام تقريبا ، ومر من سـاحتها مئـات الفنانين والفنانـات ، كانـت أهـدافهم مختلفة ، ولن يستطيع أي شخص ادعاء الإحاطة بحركة هذه الساحة الفنية ، وقد حاولـت مـا أمكـن أن أضع بعـض الملاحظات وأوفي بعـض الفنانين حقهـم ، وأن أتحـدث عـن السـاحة بموضوعية وباختصـار مـركـز قـد تغيب عني حلقات وشخصيات معينة ، لعبت دورا مهما في ازدهار الساحة واستمراريتها ، وهذا أمر لا مندوحـة عنه ، لكون الأمر يحتاج إلى تنقيب ، وكون الساحة يغلب عليها الشفوي والحكايات المروية من جيل إلى آخر . ويبقى الهدف إعطاء صورة تقريبية للساحة ، إذ من المستحيل ذكر جميع الفنانين ، وجميع أنواع الحلقات ، ومـا يـروج وما راج في الساحة .