آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

                         القـاري

كان القـاري مدرسـا في السبعينات مـن الـقـرن الماضي ، ويدرس اللغتين العربية والفرنسية ، وكان حاملا ا للقرآن الكريم وفنانا أيضا ، قام بتأسيس جمعية لمقاومة انحراف كما زعم في ” حي الشعبة ” ، وأسس أيضا فرقة غنائية تغني الأغاني الشعبية على نمط ناس الغيوان اوجبل جيلالة ، وكان هو عميد الفرقة فهو كاتب الكلمات أحيانا . وقـد اكتـرى لأجـل ذلـك منـزلا صغيرا ” دويرية ” كمـا تـسـمى شـعبيا ، وحـاول خـوض منافسات مهرجان مسرح الهواة ، لكن لم تنجح مسرحياته في الفوز بتقدير اللجنة ، لكون المنافسين أقوياء ، ويتمتعون بباع طويل في المسرح ، لذلك اكتفى بالغناء وتقديم بعـض العروض المسرحية في دار الشباب بعرصة الحامض . ولم مر إلا سنوات حتى ترك المسرح والغناء وحل الجمعية وانتهى به المطاف في نفس ” الدويرية ” فقيها ، بعد أن الكشف في نفسه القدرة على السيطرة على الجن – كما يزعم- . ويتذكر أن الفقيـه الـذي درسـه في صغره علـوم الفقه ، أخذه يوما من حنجرته وبصق في فمه ، ومنذ تلك اللحظة -يقول- تفتحت له الآفاق الفقهية وأصبح يحفظ ويفهم بسهولة ، لكن لحظة العلم الأكبر لم تأت إلا بعد مرور مدة طويلة عنـدما ازداد علمـا بـعلـوم الماورائيات ، ولكونه حافظا للقرآن الكريم -يقول- ، فإنه صاريحكم سبعين قبيلة من الجن كل قبيلة بملايين ، حتى أنه في كل ليلـة يـأتي مـا بين عشرة آلاف وعشرين ألـفـا مـن الجـن للمبيت في الزاوية / الدويرية وكأنها ميدان . صار عمله الأساسي بعد التقاعـد هـو إخراج الجن من الأجساد البشرية . وقـد جـاءت لـه مـرة عائلة تحمل امرأة ” مسكونة ” ، فأمر الجني بالخروج بعد أن قرأ عليها ” التعزيمـة ” لكـن الجني تكلـم شـاكـيـا بـأن المرأة أحرقتـه بالماء الساخن الذي أفرغته في ” الـواد الحار ” ، فخاطبه : أخرج أيها الجني سـاداويك فـخـرج ، ثـم يضيف قائلا : قدمت لـه الأدوية وعالجتـه وجدتـه مـن ملـوك الجـن فصرت أحكمه مع  قبيلته ، وطلبت من المرأة أن لا تعود إلى صب الماء الساخن في الأنابيب الماء أو غيرها خصوصا في الليل .

قلنا مازحين / مستغربين : كيف تحكـم الجـن ، هل انت سليمان ؟ قال : ” أنا أشد سليمان كان يحكم فقط ، أما أنا فأحكم و أعالج ويلتجؤون إلي في المرض ” ، ويروي يضا أن جنيـا واحـدا تلبس بثلاث نساء ، وكلما أخرجته من إحداهن سكن الأخرى حتى أعياني ، فاستعنت بجني مؤمن رمى به إلى الربع الخالي عقابا له . يدعي أنه عندما يركب دراجته النارية قادما إلى المفهى ليجالس أصـدقاءه ، وأنا منهم ، ترافقه كوكبة من الجـن أفرادهـا حـوالي 200 إلى 300 ، تجلـس بـالمقهى وتستمع للحوار وتضحك وهو يراها ونحن لا نراها ، هذا إضافة إلى الآلاف منهم الذين ترك لهم طعام العشاء في ” الدويرية ” وهـو عبـارة عـن إنـاء مـن الحليب وإنـاء مـن النمر ، وهو لا يغلق المنزل بالمفتاح بل يتركه مفتوحا ، ولا أحـد بقـريـه لأنـه محمي ، كان معـه في ” الدويريـة ” شخصان رجل وامرأة . تستقبل المرأة النساء وتؤكد لهن أنها كانت مصابة بـ ” لـريـاح ” فأنقذها الفقيـه القـاري، ويستقبل الرجل الرجال ، قائلا : إن عائلتـه جـاؤوا به في عربة لا يمشي ولا يتحرك وبعد نصف ساعة خرج سالما … وجاء ليشكره . مع الفقيه ويزعم القاري ، أنه لولا العمل الذي قام به لصالح مسلمي البوسنة و الهرسـك لـتم القضاء عليهم ، فقد أرسل عدة فرق وكتب حججا وتعاويذ حتى توقفت عملية الإبادة ، كمـا حـارب اليهود في فلسطين المحتلة بعنـف مستعملا قـراءات سحرية ، نظرا لكون اليهود لهم باع في السحر . ولولا العمل المضني الذي قام به ، لكانت الأمور أسوأ . وقد كلف عملاء من الجن للقيام بعمليات هناك ، وواجهوا السحر وشعوذة اليهود . وهـذا الـعمـل علـم بـه وعرفته قلة من الناس -منهم نحن- لذلك فقد بعث له بعض المرضى من اليابان وكوريا يطلبون مساعدته في إنقاذهم من السحر والجـن الخبيـث . وهـو يرسـل لـهـم الـدواء والتعاويذ مع جني خـاص ، ولمـا سـألناه : لمـاذا لا يرسل ذلك بوسيلة أخرى ؟، أجاب : الجني يعـود قبل أن يرتد إليك طرفك .

كان القاري يهدد كل من يكذبه بفقدان رجولته ، الأصـدقاء وق ” فقـرأ عليـه ” وأشار بيده إلى وسطه ، قائلا : لقد انتهيت ، وبعـد يـومين أو ثلاثة ذهبنا إليه نستعطفه متصنعين أن ” يعيد إليه رجولته ” ، وقد حملنـا سـكرا وحليبـا ، وطلبنـا مـن صـديقنا المكذب الاعتذار ، فاعتذرو ” قرأ عليه ” من جديد مدعيا أنه قد أعاد إليه رجولته ، وتكرر الأمر مع أحد الأصدقاء وكانت له سيارة ” فقرأ عليها ” الفقيه القاري قائلا : ” هذه السيارة لن تتحرك ” وكنـا قـد أزلنـا سـلك البطارية ، حاول صاحبها تشغيل المحرك فلم يفلح ، فبدأنا نتوسل للفقيه -وقـد أرجعنا سلك البطارية- قبل توسلنا و قـرأ عدة تعاويذ غير مفهومة ، شكره الصديق واعتـذر متظـاهـرا بـأن لـه الفضل في تشغيل السيارة . حذره الفقيه قائلا : قل اللهم أعز الطلبة ، وكررهـا عـشـر مـرات ، قمنا بترديد الجملة والتمسنا منه الصفح ، هي حكايات عديدة استمتعنا بها ، وماتزال الذاكرة تحتفظ منها بالمزيد .

في يوم من الأيام في التسعينات من القرن الماضي علمنا أن الفقيه سيقوم بتقديم حفل في إحدى القاعات بالحي الذي يسكنه ويمارس فيه عمله ، ولما كانت غير عادية في الحي فقد تعجبنا لأن الأمر يتعلق بحفل انتخـابي لتقديم أحـد المترشحين للانتخابات المحلية أو البلدية ، كان لا بد أن نحضـر هـذا الحـفـل ، فذهبنا ، تقدم الفقيه أولا إلى الميكرفـون ، وما إن نطـق بالتحية حتى ضجت القاعـة بالشتائم بكـلام سـاقط وبنعـوت قبيحة أقلها المشعوذ . وكان عدد الجالسين والذين لم يشاركوا في مهرجان السب أربعة أو خمسة منهم نحن ، وكان صاحبنا يمشي فـوق المنصـة شـمالا ويمينا رافعا أصبعيه بعلامـة الانتصـار ، ثـم يـعـود إلى الميكروفـون مخاطبا الحضور : ” أنتم لا تحبونني ” ، فتجيبه القاعة : ” لا ” ، فيرد : ” أما أنا فأحبكم ولو استطعت لقبلت كل واحد منكم فأنتم أبنائي ” ، وظل الجمهور يشتم والفقيه يتكلم ويمشي رافعا علامة النصر كأنه يتلقى المديح . وبعد حوالي 15 أو 20 دقيقـة تعـب الجمهور وجلس الجميع وهم في حالة إعياء ، تقدم الفقيه إلى المنصة وبدأ يلقي إحـدى قصائده ، وكانت قصيدة طويلة ، مطلعها : أذكريني إذا حل المساء وغاب عني وعنك الشقاء

بدأ الجمهور يصفق -إذ أن شعور الحـب أقـرب لشعور الكراهيـة وشـعور الكراهيـة أقـرب لشـعور الحب- ويطلب المزيد من الكلام الرومانسي ، ثم بعد ذلك ، كلمة عن المترشح وطلب من الجمهور التصـويت ألقى عليه ، كان المترشح قـد خـرج غاضـبـا مـن الـقـاعـة حـين شاهد مهرجان السب ، وبدا لنا أنه لا يعرف شيئا عن سيكولوجية الجماهير ، فخسر المهرجان الانتخابي ، وخسر بعده الانتخابات ، بينما نجح القاري في السيطرة على القاعة !.