ابوفارس
كان أبو فارس في منتهى الأناقة ، في الأيام العادية يلبس الإفرنجية أو الأوروبية ، وفي الجمع والأعياد يرتدي اللباس التقليدي الجلابة و السروال القندريسي والقميص البلدي والبلغة ، وعندما يسأل عن سره الأناقة يجيب : ملازمة المخزن و التربية المخزنية فأنا أجالس الكبار ، من عاشر قوما …
وأحيل على التقاعد منذ زمن بعيد ، ويروي عنه أهل الحي من كبار السن أنه شارك في المظاهرات العنيفة التي وقعت في مراكش في 02 ماي 1956 ، عندما قامت جماعة من الأشخاص بقتل عدة أشخاص بتهمة كونهم من أعوان الاستعمار ، وأحرقت جثتهم أمام سور باب دكالة ، ولازال مكان المحرقة يسمى ملعب الخائنين . لكن أبا فارس لا يتحدث بشيء عن هذه المرحلة نهائيا . فقد كان يحكي فقط عن دوره في المقاومة والحركة الوطنية وهو دور مزعوم . يدعي أنه اعتقل قادة الحركة في المنفى في تازناقت ، ودخل السجن عدة مرات وتعرض للمحاكمة وحكم عليه بالإعدام وقد نجا . وعندما يلاحظ أحد غياب اسمه في تلك الأحداث التاريخية يجيب بأنه كان يستعمل اسما آخر للإفلات ، وأن له عدة أسماء يتحرك بها . كان الأصدقاء في الحي يحبون مجالسته ، فهو مطلوب في كل مقهى والتسلية في جلسات ” الفرفشة ” في المنازل أو ” النزاهة ” في البساتين . وكان يخبر والدته أنه مطلوب من شخصية سامية في الرباط ، وعندما يطرق جرس الباب تجيب والدته أن سيدي أبي فارس ذهب عند الشخصية الفلانية . ويزعم أن ” الرباط ” تستشيره في كل شيء ، فمرة سمع طرقات على الباب فخرج ووجد دركيين طلبا منه مرافقتهما ، وهو متعود على ذلك ، وجد موكبا مع سيارة مخزنية أخذته سريعا إلى الرباط ، حيث التقى قادة الحركة الوطنية واستشاروه في قضية الصحراء المغربية . كان ذلك في منتصف السبعينات من القرن الماضي ، وبعد أن أعطى رأيه أرجعته السيارة وكوكبة من الدرك إلى منزله بمراكش ، وهذا الأمر يتكرر في كل المنعرجات التاريخية ، فمنذ الاستقلال كان ينادى عليه ، ويوصى به أي وال يعين على مراكش . لذلك فجميع الولاة الذي عينوا في المدينة كانوا يتصلون به أولا من أجل مساعدتهم ، دون أن يشرح لنا أو لغيرنا نوع الاستشارة ، فهي شاملة لكل المواضيع خاصة العلاقة مع الجماهير ، فكان يقترح كيفية التعامل مع الناس ، أما على مستوى الرباط فقد كان مستشار العلاقات الدولية بلا منازع ، وعلى الأخص في القضايا الوطنية . وقد وقعت له حادثة ظل يشكو منها ، فقد اشترى آلة تسجيل لمتابعة الأخبار ، وكان يستمع إليها حتى وهو يمشي في الشوارع ، وأثناء جلوسه في المقهى . ومرة جلس على سطح مقهى النهضة يستمع إلى الجهاز ، طلب منه النادل توقيف الآلة ، فرفض فرمى بها النادل إلى قارعة الطريق من خمس طبقات ، ظل أبو فارس يشكو من هذا التصرف إلى أن توفي .