الصدفة تجعل من جبل ايغود موقعا أثريا لأقدم إنسان بالمغرب
شكلت الصدفة منعطفا في تاريخ جبل ايغود، إذ حولته من منجم لمعدن (barytine) إلى موقع أثري لأقدم إنسان بالمغرب إنسان ايغود (Homme D’irhoud ) يغري الأثريين ومحترفي علم الإحاثة .
فقبل سنة 1961، لم يكن أحد يعرف أن جبل ايغود يضم مغارة يعود تاريخها إلى نهاية العصر الحجري حوالي 300 ألف سنة ق ـ م ، وأن اكتشاف هذه المغارة سيغني الدراسات التي تهتم بفترات ما قبل التاريخ، كما أن اكتشاف إنسان ايغود بها ، سيمكن من الإجابة على مجموعة من الأسئلة سبق للأنثروبولوجيين أن طرحوها. ففي سنة 1961، وبمحض الصدفة عثر أحد عمال الشركة التي كانت منكبة على استغلال منجم البارتين الواقع بجبل ايغود منذ الفترة الاستعمارية، على جمجمة إنسان ايغود ، وعلى إثر هذا الاكتشاف الهام الذي قام به محمد بن الفاطمي، أحد عمال الشركة، حسب الباحث المغربي عبد الواحد بن نصر، قام الباحث الفرنسي ايميل اينوشي ،(E.Ennouchi) أستاذ بكلية العلوم ببوردو ببحث أركيولوجي في الموضع الذي وجدت فيه الجمجمة الأولى ، حيث سيكتشف جمجمتين لهما صفة ( الإنسان النيوندرتالي) (Néanderthalien) نسبة إلى إحدى المناطق الألمانية) وبقايا عظمية أخرى وعثر على الكل وسط مجموعة من الأدوات الحجرية من الصنف المسمى بالصناعة » الموستيرية ( moustérien) ›› كما تم العثور على موقد مهم للنار ومجموعة من الحيوانات المنقرضة والمتنوعة… مما يؤكد وجود حياة بشرية وحيوانية بالجبل ومحيطه. وما يهم من هذا الاكتشاف هو أقدمية الإنسان بالمنطقة، حيث قدر عمر الجمجمتين بـ 50 ألف سنة، وفي ذلك التاريخ كان الإنسان الأوربي، إنسان النيوندرتال يصنع أدوات من الصنف المسمى ب: الموستيري، وبكيفية أوتوماتيكية أصدر الأنثروبولوجيون آنذاك رأيهم بأن إنسان ايغود هو إنسان النيوندرتال المغربي بدون زيادة.
هذه الخلاصة لم يطمئن إليها العديد من الباحثين وعلى رأسهم الباحث هوبلان(Hublin) الأستاذ آنذاك بمعهد الأنثروبولوجيا بمتحف الإنسان التابع لكوليج دو فرانس ) فانكب سنة 1980 مع زميلته ” آن ماري ميمي ” على دراسة الفك الأسفل للطفل الذي عثر عليه بجبل ايغود ، وكانت النتيجة عثورهما على ذقن ، وهذا الجزء البارز في الوجه هو ميزة خاصة بالإنسان الذي ينتمي إليه إنسان عصرنا ، وكل الأجداد من السلالات الأخرى كانوا محرومين منه.
أثارت هذه الملاحظة ” هوبلان “ فقرر أن يتفحص الجمجمتين الأصليتين عن قرب، فاكتشف أن إنسان ايغود لا يتوفر على رأس مشابهة لإنسان النيوندرتال، فعظام الوجنتين مسطحة لدى إنسان ايغود، وهي بارزة لدى إنسان النيوندرتال، ودائرة الرأس لديه منخفضة، بينما هي لدى إنسان النيوندرتال بيضاوية وعالية… وعلى مستوى العمر أكدت الدراسة التي أجريت على الأسنان والشعر، أن عمر إنسان ايغود يتراوح ما بين 80 ألف سنة و125 ألف سنة، وجاءت هذه النتيجة في وقت مناسب لإعادة النظر في أصل الإنسان الحديث، ذلك أن أقدم إنسان حديث معروف لحد الآن هو الذي تم العثور عليه في فلسطين وعمره 92 ألف سنة… وعليه فإنسان ايغود يطرح فرضية مثيرة، وهي أن إنسان ايغود البالغ من العمر حوالي 100 ألف سنة، جاء في وقت سابق مباشرة لظهور الإنسان الحديث، يقول هوبلان. وهي نفس الخلاصة التي توصل إليها الباحث المغربي عبد الواحد بن نصر الذي يرى أن الخاصيات المورفولوجية لإنسان ايغود في مجملها، إذا ما اقترنت بالتاريخ النسبي الذي حدد له قد تجعل منه، إن لم يكن الأقدم، على الأقل أحد أقدم ممثلي جنس الإنسان الحديث homo sapiens ) ) على المستوى العالمي.
المصطفى حمزة / اليوسفية