إدريس الاندلسي
أن يتم تغيير مسؤولين و تعيين من يخلفهم ، فهذا من صميم التدبير الجيد للمؤسسات العمومية و في داخل الإدارة و على صعيد المؤسسات و المقاولات العمومية. الدستور و عدة قوانين تحكم أمر التعيينات و تربط بكل وضوح المسؤولية بالمحاسبة. و لكن القاعدة هي مغادرة المكتب الفاخر و الذهاب إلى البيت أو إلى مسؤولية أهم دون تقديم تقارير عن الإنجاز. بعد التعيينات تجتهد بعض الصحف لإخبار القارىء من المواطنين عن السيرة الذاتية لمن شملهم التعيين. و الاستثناء الوحيد الذي عشناه خلال السنوات الأخيرة هي قرار العزل الملكي للعديد من الوزراء و مسؤولين آخرين لعدم قدرتهم على إنجاز المهام الموكلة إليهم. و جاء بلاغ العزل واضحا. لن يتحمل أي وزير أو مسؤول معزول أية مسؤولية في المستقبل. كما سجلت الصحافة الوطنية “عدة غضبات ملكية” كان من الاحرى أن يحذو حذوها رؤساء الحكومة و الكثير من الوزراء. لا أدري كيف ينام المسؤول ” ملئ جفونه ” و “يسهر الخلق” جراء استخفافه بما تم تحميله من اوزار.
لنا في مؤسساتنا كامل الثقة و لهذا نريد أن تتحصن هذه الثقة بالمحاسبة. و لا تعني هذه الأخيرة أن الأمر يتعلق فقط باختلاس أو اغتناء غير مشروع، و لكن بالأساس تقييم نتائج السياسات العمومية و مستوى بلوغ الأهداف مقارنة بما تم تسخيره من مال عام و موارد بشرية لتحقيقها. لكن شبكات التأثير في التعيينات تتحمل مسؤوليات كبرى على كل الاخفاقات. فالمبدأ الذي يحبذه الكل يظل هو وضع المرأة أو الرجل المناسب في المكان المناسب. و لكن يمكن أن يعمر مسؤول لمدة طويلة على رأس مؤسسة ثم يغادر و قد يشعر بالسعادة و هو يستعد للاستفادة مما راكمه من عقارات و خيرات دون حاجة إلى تقديم الحساب. و الإختيار سهل و ذو طبيعة إستراتيجية، فإما أن نحاسب و اما ان نرتضي كل النتائج.
حملت الصحافة الرسمية و شبه الرسمية و صحافة البيوت المغلقة على المهنية و المنفتحة على كل شيء و صحافة “الزنقة ” أن عدم تسمية عمال و ولاة جدد يرجع إلى صراع بين رئيس الحكومة و وزير الداخلية. إن كان هذا صحيحا فإنه ظاهرة صحية سبق أن سمعنا عنها بين المرحوم اليوسفي و الراحل البصري. و رغم الشك المنهجي المفروض أن يقرأ به خبر أو شائعة الخلاف في شأن تعيينات مسؤولي الإدارة الترابية، إلا أن المعلوم ” في السياسة بالضرورة ” هو أن هذا الموضوع و صلاحية التقرير فيه يرجع إلى ملك البلاد. إذن من غير المنطقي أن يفسر رجوع من تمت دعوتهم من العمال و الولاة بخلاف ما ظهر في اللحظات الأخيرة. و سوف ” يأتينا بالأخبار من لم نزود”.
من حق المواطن، الذي صوت على دستور بلاده في لحظة تاريخية كبيرة و في مناخ صعب ، أن يرى أن الدولة تحاسب. و لقد تكلم عاهل البلاد عن ” مثالية المؤسسات العمومية ” و المقصود نجاعة في الأداء و سلوك سوي في حمل الأمانة و عمل مهني يتسم بالمبادرات الخلاقة كل يوم في تناغم مع انتظارات المواطنين. و هذا لا يتنافى مع التواصل الهادف للإدارة و الوزارة و المؤسسات و المقاولات العمومية مع المواطنين. لا أحد يرغب في مسؤول يفرض على نفسه ” التقية” و الامتناع عن الكلام لكي يجلس على الكرسي لأطول فترة ممكنة. و رحم الله من عرف قدره.