العديد من غير المراكشيين لا يميزون بين الدقة المراكشية وفن الميازين الشعبية الذي صك له الحاج حميد الزاهر رحمه الله مصطلحا لازمه منذئذ هو التقيتيقات في وقت كان القدامى ينادونه بتامازنيت، ثم الميزان المراكشي، والحقيقة أن كل فن من هذه الفنون مستقل بذاته لديه طقوسه الخاصة به؛ فالدقة تنقسم إلى ثلاث مراحل تبدأ بالعيط يليه أفوس فالڭناوي وتعتمد على دف كبير واحد لا أكثر يسمى بالطارة، وعلى القراقش والطعارج التي تكون كثيرة العدد، أما التيتيقات فهي الغناء الشعبي الذي قد يكون سريع أو بطيء الإيقاع اعتمادا على نوعية القصيدة المغناة ويتوسطه الميزان الذي “يكرف” عديد المرات، كما أن هذا الأخير قد “يكرف” لوحده حتى دون غناء أو إنشاد بل بمجرد رفعه وتلاقي الأكف في إيقاع سريع ملتهب…
والميزان نوعان؛ فهو إما ميزان الواد الذي يسبقه عيط يقال قبله كرفه وإما ميزان حدادي دونما عيط، في الميزان لا بد لفريق من أولئك الذين “يكرفونه” أن يثنّي أي يضرب ضربتين متتاليتين سريعتين باليد، فيما فريق آخر يثلّث أي يضرب ثلاث ضربات متتالية سريعة، وفقط المزج بين التثنية والتثليث هو ما يؤدي إلى “كريف” ميزان يكون “مساوي” بلغة أهل المجال، أما لو كان فيه فقط أصحاب التثنية أو التثليث لوحدهم، فلن يكون الميزان بذات الجودة…
الميزان الحدادي كما أسلفنا لا يبدأ بعيط وإنما مباشرة كريف الميزان الذي قد ينتهي بلازمة مثل “ياو الصينية والرشوق وماكلة اللوز” أو “العزيز على ميمتو عمرو ما يتخص” أو كما قال الفنان محمد بلقاس رحمه الله ذات يوم “الحوينيتة مزلجة وما فيها ضو”، أما نظيره ميزان الواد فهو يبدأ بعيوط يبقى أشهرها العيط القائل “ما يهتف ما يهتف غير اللي قيمتو كبيرة وبناتو هايجات ديما والزين داتو حليمة قل لو راح الليل أهياوينا” أو العيط الآخر الذي لا يعرفه إلا المختصون في المجال “تهتات تهتات نبو تهتا مسعود تهتا لمصدعني أها لولاد”، لنختم بهذا العيط عميق المعاني:
اللوالا شلا خلاو للتوالا
بلا فحل كتولد الأيام الأجيال
شوف واسمع وتمعن يا لي تغالا
في غناهم وفقرنا لاش كتغالي
الزمان يجدد للناس ما تبالا
ويتبع كل جديد حتى يصير بالي
الزمان يشيّد القصر من النوالة
ويترك القصور قفار ولا يبالي
الزمان يخلي عزوات هايلالا
ويجعل الحثايل بمكايد ومطالي
طب عينك إيلا مرضات بالجلالة
وفاقت شموع القلب صايرة تبالي
وكما قال الڭناوي زمان:
ياك الغنّة مسبوكة ماشي من والاه يقول.. قلزي يا موكة واللي دا شي راه داه.