سي محمد العجل…هرقل مراكش الذي تفنن في صنع حلوى اشتهرت في المغرب بأكمله…
اسمه الحقيقي هو محمد المستوري، ولد بمدينة مراكش في حدود عشرينيات القرن الماضي وبالضبط بحومة سيدي عبد العزيز الوديعة الهادئة حيث لا زالت داره مقابلة لصيدلية “سيدي عبد العزيز” في الطريق المؤدية إلى سوق الجلد…
اشتهر “سي محمد العجل” رحمه الله؛ والعجل هو اللقب الرسمي الذي حمله طيلة حياته، بالقوة البدنية الشديدة، لكنه وعكس العديد من “العزاوي” أو الفتوات، لم يكن يميل لاستعراض عضلاته أو التباهي بقوته، بل لم يكن يدخل في الشجار إلا مضطرا في إطار الدفاع عن النفس أو عن أحد الأصدقاء، أو رد مظلمة عن ضعيف انتهك أحد الأقوياء حقا من حقوقه أو “حڭر” عليه أمام أنظار هذا البطل الفذ رحمة الله عليه…
إضافة إلى جانب القوة هذا والذي لم يكن “سي محمد العجل” يحب اللجوء إليه إلا في حالات الضرورة القصوى، اشتهر محمد المستوري كذلك بالوسامة الشديدة لدرجة تلقبيه ب “الإيطالي” عطفا على ملاحة وجهه وقسامة ملامحه الصبوحة، كما لقب كذلك بالبارودي نسبة إلى قوته المذكورة، لكن لقبه وسط خِلاّنه وأصدقائه المقربين كان هو “آلي” هكذا بدون تعريف؛ وهو اللقب الذي لم يكن يناديه به إلا صفوة الأصدقاء وبالخصوص من يشاركهم لعب الورق أو الكارطة سيما ألعاب الروندا والتجاري وكابية بعد صلاة عصر كل يوم…
كل هذه الألقاب والصفات اشتهر بها “سي محمد العجل” بالإضافة إلى دماثة الخلق والأمانة الشديدة والحياء الذي جعل منه إنسانا محبوبا عند جميع من يعرفه، لكن بيت القصيد وموضع الشاهد هنا هو أن محمد المستوري عرف أيضا ونال شهرة واسعة في مراكش خاصة والمغرب بشكل عام بأمر آخر هو طريقة صناعة الحلوى والمثلجات التي تفرد واختص بها لوحده دون سواه…
في حانوته بسويقة المواسين وبالضبط عند مدخل درب الحمام قبل أن ينتقل إلى حانوت أخرى مقابلة لمدرسة سيدي عبد العزيز للبنات، برع هذا الفنان في صناعة أنواع من الحلوى تفرد واختص بها دون سواه ليس في مراكش فقط ولكن في كل التراب المغربي…
من أنواع الحلوى التي عرف بها “سي محمد العجل” رحمه الله هي حلوى العود التي كانت عبارة عن دقيق وسكر وملون أحمر تسخن قبل أن تغمس في أعواد رقيقة في طرفها تفاحة صغيرة مغموسة بدورها في نفس المزيج، مما يعطي نكهة ومذاقا لا يقاومان…
اشتهر محمد المستوري أيضا بصناعة حلوى “شعور البنات”؛ وهي حلوى وردية اللون تعتمد على تحويل الدقيق إلى عجين مع مزجه بالسكر سانيدة وبعض الملونات، ثم إدارة المحلول بواسطة مدوّر “مانيڤيل” لتخرج الحلوى على شكل ألياف ورقائق تسمى بشعور البنات…
أما خلال فصل الصيف وقت الجو الحار، فقد كان “سي محمد العجل” يصنع نوعا من المثلجات أو الآيس الكريم بمقاييس العصر الحالي، أما المراكشيون وقتها فقد كانوا يسمونه بالباستا، وقد كان سي محمد يعتمد في صناعته على “قبّ” من العود تتوسطه ماكينة تدار بواسطة مانيڤيل، وتكون المواد المستخدمة عبارة عن حليب وثلج وسكر ونكهة روح الزهر، يسخّن المزيج قبل أن يُصَبَّ في سطل من الألمنيوم متصل بالآلة من الأسفل، ليقدم للزبناء في كؤوس من الزجاج مع ملاعق بحيث كان ثمن هذه الحلوى المبردة المنعشة هو 2 ريال في بداية المطاف قبل أن يصير 4 ريال في وقت لاحق مع تقدم الزمن…
بالإضافة إلى كل ما سبق، كان “سي محمد العجل” بارعا أيضا في صناعة حلوى الكوك التي كان يخرجها على شكل بسكويت، كما كان من أوائل من صنعوا الفول السوداني المحلّى أو ما يعرف حاليا ب “كاوكاو مڭرمل أو كاوكاو ڭرملو”، ثم حلوى Meringue بالحليب والبيض والسكر، وهي حلوى لذيذة تذوب بسهولة في الفم…
هذا الإبداع جعل حانوت “سي محمد العجل” محجا لجميع المراكشيين الذين كانوا يتوافدون على محله من كل الحومات للظفر بأنواع الحلوى اللذيذة التي برع وتفنن هذا الفنان المبدع في صناعتها، رحمه الله تعالى وأحسن إليه.
-
sridi 7.jpg30.7kB