عبد الله المعاوي
استراتيجية الكتابيين وكفار قريش في التعامل مع ألمعتنقين للدين الإسلامي الجديد ينفي وجود الأمية بمعناها المتداول في القاموس اللغوي.
في سورة البقرة : يخاطب الله سبحانه وتعالى أصحاب النبي محمد عليه الصلاة والسلام محذرا قائلا :
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. الآية (74).
طبعا المتهم هنا هم اليهود والنصارى المحرفون للتوراة والإنجيل . الذين منهم من يدعي الإيمان بالرسالة المحمدية رياء، ثم يستهزئ بها وبأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند مغادرته لمجالس العرب المسلمين . ومنهم من يمتنع عمدا عن ذكر ما علمه الله له في الكتب المنزلة عليهم.
في نفس السياق قال سبحانه وتعالى :
وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا ،وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ، أفلا تعقلون. الآية (75) .أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. الآية (76).
ثم يتحدث النص القرآني الكريم عن الفريق الثاني من مناوئي الدعوة المحمدية ، وهم القرشيون الذين لا كتاب لهم :
ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، وإن هم إلا يظنون. الآية (77) .
ومن كثرة مكر هؤلاء العرب من كفار قريش ونفاقهم للمعتنقين للدين الإسلامي الجديد يخلقون نصوصا وينسبونها للقرآن الكريم . وفي ذلك قال تعالى داعيا عليهم بالويل :
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم ، وويل لهم مما يكسبون . الآية (78) .
فهل يعقل أن يصفهم القرآن بالأميين بالمعنى المتعارف عليه في القاموس اللغوي الحالي ، أي غير العارفين للقراءة والكتابة وهو يشير إلى قيامهم بكتابة كتاب معين بأيديهم من أجل طرحه للبيع والشراء على أساس أنه نازل من عند الله ؟
إن الجواب بالنفي يؤكد أن مفهوم الأمي يتعلق بمن لا كتاب سماوي لديه وليس الجاهل للكتابة والقراءة كما هو متداول حاليا في القاموس اللغوي الشائع.
قال تعالى في نفس السورة :
وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ، كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم . فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون . الآية (112) .
الذين يقولون مثل قول النصارى واليهود هم عرب قريش المناهضين للدعوة الإسلامية .فهم حسب تقرير الآية الكريمة عندما يعرض عليهم الكتاب المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم يتلونه ويقولون ليس النبي محمد على شيء.فهم يطعنون في محتوى كتاب الله .ويتنكرون لما جاء فيه.الشيء الذي يؤكد أن هؤلاء المناهضين ليسوا أميين بمفهوم عدم معرفة القراءة والكتابة. وإلا لما شبههم القرآن الكريم بالنصارى واليهود في جدالهم للنصوص الإلهية.
وفي نفس السورة قال جل وتعالى :
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . الآية( 126). ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ، وأرنا مناسكنا، وتب علينا ، إنك أنت التواب الرحيم .الآية( 127) . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليمهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ، إنك أنت العزيز الحكيم .الآية ( 128 ).
إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الآية الكريمة يتلو ويعلم . والتلاوة والتعليم مقرونان دائما بالحروف والألفاظ. فلا يمكن إذا لأمي (بالمفهوم اللغوي السائد )أن يعلم ما يقرأ وما يكتب . ومستوى التعليم كما تنص عليه الآية يرتقي إلى درجة تعليم الحكمة وختم التعليم بتزكية ممارسيه . بمعنى أن مستوى التعليم الذي يمارسه النبي صلى الله عليه وسلم يرتقي إلى مستوى الدروس الإسلامية العالية التي تتطلب متعلمين باحثين وعلماء من مستوى أصحاب الرسول عليه السلام الذين كانوا خير وسائط لتبليغ كتابه وسنته المضيئة للمسلمين والناس أجمعين بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. فهل يعقل أن يكون هؤلاء أميين لا يقرؤون ولا يكتبون؟