ادريس المغلشي
في جو ممطر وبرد قارس وفضاء اختلطت فيه أصوات ألم هنا ودردشة هناك .حين سكن الليل في اروقة خالية من جلبة يوم مكتظ.في غرفة فاقدةللدفء تصطك أبوابها عديمة اقفال احتلها بالقوة مجرى ريح عنيفة. فوضوية كعادتها تتدخل في كل لحظة وحين لتقطع بشكل فج هدوء القاعة .تخرج رؤوس من تحت أغطية مفزوعةساخطة مزمجرة لكنها مستسلمة لقدرها ، بأعين جاحظة لاتقوى على الكلام . بعدما أزعجتها وقضت مضجعها، لتسرق منها نعمة النوم ؛ اجتهد احد النزلاء باحكام إغلاق باب الغرفة بحبل يشبه لحد بعيد ماكانت امي تحيطه “بكسكاس الطعام “ليعوض مكان قفل يليق بالصورة التي اهتز رونقها وشوه معالمها وقوض شكلها .
فوق بقايا سرير مهترئ باهت اللون .يحمل كثيرا من الأسرار وبقايا آلام مرت من هنا ،يحتفظ بأمانة بأنين وآهات مكلومة .
ما أتعسك من سرير…!
فقدرك ومصيرك أن تبقى كحائط المبكى .إلى أن تقذف في آخر أيام عمرك في مركن المتلاشيات .أوفي سوق قديم ليقتنيك تعساء يبحثون عن لذة نعاس حرموا منها لزمن طويل .
بل ما أنبلك من سرير …!
فأنت الحضن الأمين الذي يحفظ الآلام والأسرار ليس كباقي البشر .
ما أرقاك في هذا الدور الاستثنائي…!
الذي قلما نجده خارج إطارك الأصلي .
ترقد لوحدها نائمة مستلقية على ظهرها تغالب الألم بالنوم. تبحث وهي تقلب جسدها النحيف يمنة ويسرة باحثة عن وضعية مثالية ومريحة للنوم .أخرجت يدها المرتعشة ببطء شديد من تحت الغطاء ولوحت بشارة النصر ، وهي تتمتع بعزيمة قوية.عيناها الذابلتان تنتقل بين نظرة عابرة تكاد تشبه إغماءة يلفها البياض وأخرى متيقنة واضحة من أجل معرفة وجودك بجانبها .تصدر بصعوبة ابتسامة خفيفة وهي تكابد الألم كرسالة حب جاري لتجيب على كل أسئلتك الحارقة لعلها تطفئ لهيبها المستعر .تعلم جيدا نفسيتك واهتمامك وتراعي في كل حواراتها هذا الجانب .حريصة على التواصل معك بشكل جيد .لاتترك البياض للشك وسوء الفهم تبادربكل مايفصح عن الموقف غير تاركة المجال لشيء آخر
تغمض عينيها بعدما تيقنت بتحقيق المراد كاستراحة محارب وهي مطمئنة، لتسلم جسمها كلية إلى نومة عميقة يفضحها صوت أجش خفيف شخير منقطع عندكل حركة. فيعود الصمت من جديد بعد ضجيج لايطيقه المكان .
حين يتواطأ الصمت مع الألم فهي إشارة بليغة تعني أن البوح لم يعد يؤدي رسالته الأساسية.وأننا أمام واقع مأزوم استسلم لأيدي عابثة بفضاء إنساني بامتياز .لم نراع حرمته ولاقدسيته فتعسفنا عليه مرتين تدبيرا واستغلالا مع الاسف الشديد .