وجهت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ملاحظات بخصوص مخرجات جولات الحوار الاجتماعي، الى كل من : رئيس الحكومة؛ رئيسا مجلسي النواب والمستشارين؛ رؤساء الفرق البرلمانية، ممثلي المركزيات النقابية بمجلس المستشارين، جاء فيها :
” تحية حقوقية، على إثر الاجتماعين الأخيرين لكل من المجلس الوطني واللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الانسان، اللذين جرى خلالهما التداول حول مخرجات جولتي الحوار الاجتماعي، اللتين جرت اطوارهما الأولى في 30 أبريل والثانية في 14 شتنبر 2022؛ حيث تبين للجميع هزالة نتائج هذا الحوار، بل وظهور مخاطر تشريعية وتنفيذية تتهدد العلاقات الشغلية بين باطرونا رأس المال القوية المدعومة بالترسانة التشريعية والتنفيذية والقضائية للدولة من جهة، والوضع الضعيف والمتردي للطبقة العاملة المغربية التي تعاني الهشاشة وعدم الاستقرار في العمل وضعف الأجور؛ وهو الأمر الذي ارتأى معه المكتب المركزي للجمعية تبليغكم، وعبركم أطراف الحوار الاجتماعي، بالانشغالات التالية:
القلق العميق من تردي الأوضاع المادية والمعنوية للطبقة العاملة المغربية، خاصة منذ سنة 2020 في ظل ازمة جائحة كوفيد؛ وهي الأوضاع التي تتطلب من الحكومة والجهازين التشريعي والقضائي إيلاء عناية فائقة لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشغيلة، بدلا من زيادة تعميق ازماتها العالقة منذ سنوات؛ سواء على مستوى التصديق على اتفاقيات منظمة العمل الدولية، أو على صعيد التنزيل الكامل لتلك الاتفاقيات في قوانين الشغل المحلية، وفرض احترامها على الباطرونا، وانصاف الأجراء الذين تنتهك حقوقهم عندعدم تنفيذ الاحكام القضائية التي تصدر لصالحهم؛
تواصل انتهاكات بنود العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صادق عليه المغرب منذ سنة 1979، وما تم تنزيله لحد الآن من تلك البنود في الدستور وقوانين الشغل المحلية، خاصة في ظل السياسات والبرامج الحكومية الغارقة في الإذعان لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وتواصل خوصصة القطاعات الحيوية والاجتماعية، وضخامة خدمات المديونية الخارجية، وانعكاسات السياسة الليبرالية المتوحشة على ميزانية الدولة المتعارضة مع التنمية والتشغيل؛ وظاهرة النهب السافر للمال العام والثروات الوطنية مع استمرار الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية؛
استمرار الحكومة في الرفع من أسعار المواد والخدمات الأساسية، وفي إلغاء صندوق المقاصة، واجهازها على مكتسبات الشغيلة؛ عبر تمرير قوانين “إصلاح التقاعد”، ضدا على الموظفات والموظفين باللجوء إلى إجراءات تحمّل سوء تدبير صناديق التقاعد للمنخرطين؛ مما يشكك في مصداقية وجدوى الحوار الاجتماعي الجاري، ويجعل الأطراف المتحاورة أبعد عن إيجاد حلول ناجعة لإنقاذ الشغيلة المغربية من أوضاعها المتردية؛
الانتهاك الخطير للحق في الشغل، الذي من المفروض ان يأتي اليوم على رأس قائمة جدول أعمال الحوار الاجتماعي، لا سيما تحت وطأة جائحة كوفيد، التي عمقت من واقع البطالة المكشوفة أو المقنعة لملايين المواطنين والمواطنات، بمن فيهم مئات الآلاف من الشباب حاملي الشهادات العليا، والتعامل السلبي للسلطات مع مطلب الحق في الشغل، المتمثل في ضعف الإجراءات الجادة لخلق فرص الشغل وفي قمع الاحتجاجات السلمية المطالبة بالعمل، وتراجع الدولة والمجالس المنتخبة عن وعودها وعن الاتفاقات المبرمة مع المعنيين في العديد من الأحيان؛
مساهمة الحكومة، منذ اضافتها للفصل 6 مكرر إلى القانون الأساسي للوظيفة العمومية بتاريخ 18 فبراير 2011، الذي أجاز التوظيف بالعقدة المحدودة الأجل، في زيادة تعقيد استقرار العمل في الوظيفة العمومية، مما أسفر عن موجات متواصلة من احتجاجات الأساتذة المفروض عليهم التعاقد؛
تكريس ضرب الحق في الشغل بالملموس، من خلال الاعتداءات المستمرة ضد احتجاجات الأطر العليا المعطلة وأعضاء الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، المطالبين بحقهم في الشغل، والذين يتم اعتقالهم ومحاكمة بعضهم.
إن الجمعية، وهي تتابع مجريات الحوار الاجتماعي، يساورها قلق عميق بشأن المبدأ المعلن عنه تحت عنوان: “استكمال الترسانة القانونية لتشريعات العمل وملاءمتها مع تحولات سوق الشغل الوطنية والدولية”، لأنه يرمي إلى التلاؤم مع أشكال الاستغلال الرأسمالي الجديدة لسوق الشغل الوطنية والدولية، عوض استهداف التلاؤم الضروري مع مبادئ اتفاقيات العمل الدولية؛ وذلك لإرضاء حاجيات الرأسمال المحلي والدولي، في عمليات استغلال يد عاملة رخيصة طيعة، وفي تغييب كامل ومتعمد لشروط حماية العمال ضد هذا الاستغلال. وكلنا يتذكر النتائج الوخيمة لهذا الاستغلال الوحشي؛ ككارثة محرقة روزامور بليساسفة، وانهيار مبنى المنال بالقنيطرة، وغرق 29 عاملة نسيج في المعمل السري للنسيج بمدينة طنجة، واختناق حوالي 33 عاملة نسيج بمدينة طنجة مؤخرا.
كما لا يسع الجمعية إلا أن تعبر عن بالغ انشغالها بخصوص ما يحاك من طرف الحكومة والباطرونا للاجهاز على بعض مكتسبات بنود مدونة الشغل على علتها، التي تضمن حدا أدنى من الحماية للطبقة العاملة أثناء العمل، وتكريس علاقات اجتماعية مختلة بين الباطرونا والعمال لفائدة الاولى، ويبرز في هذا الإطار استهداف بنود مدونة الشغل التالية:
– المادة 16 التي تقيد العمل بالعقدة المحدودة المدة؛
– المادة 62 وما بعدها التي توفر للأجير بعض الضمانات القانونية ضد الطرد التعسفي؛
– المواد من 66 إلى 71 التي تقيد التسريح الجماعي للعمال وإغلاق المقاولات؛
– المادة 496 التي تحدد الحالات التي يسمح فيها بتشغيل عمال من طرف “مقاولات التشغيل المؤقت” للقيام ب “أشغال غير دائمة”؛
– المادة 414 التي تلزم السلطة بتسليم وصل الإيداع فورا للنقابات عند تأسيسها أو تجديد مكاتبها النقابية، إلى غيرها من المواد المشابهة.
وفيما يخص حقوق العمال والحقوق النقابية، فقد لاحظت الجمعية استفحال الانتهاكات الخطيرة التي تطالها. فرغم أن مدونة الشغل لا تترجم التزامات المغرب على المستوى الدولي في مجال الحقوق الشغلية، بما تتضمنه من سلبيات جوهرية متعلقة بمرونة التشغيل ومرونة الأجور وتهميش دور النقابة على مستوى المقاولة، فإنها تظل عرضة للخرق بشكل كبير ومستمر؛ وهذا ما يتجسد على الخصوص في إغلاق المعامل وفي التسريحات الجماعية التعسفية، وفي عدم احترام الحد الأدنى للأجور ومدة العمل والضمان الاجتماعي ومختلف العطل، في قطاعات وازنة؛ مثل الفلاحة، والنسيج، والسياحة، والبناء والأشغال العمومية والصناعات الغذائية، وبكيفية أكثر فضاعة في القطاعات غير المنظمة؛ ويحصل كل هذا بمباركة وعلم كافة السلطات، التي لا تقوم بالإجراءات اللازمة لردع المسؤولين عن انتهاك قوانين الشغل. هذا علاوة على تردي أوضاع العمل بسبب عدم توفير الشروط اللازمة والآمنة، التي يشتغل فيها العديد من العمال والعاملات، وقد تابعت الجمعية العديد من حالات الحوادث المميتة والاختناق داخل مقاولات صناعية.
ومن جهة أخرى، ففيما تتلكأ الدولة في التصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم، تتعرض الحريات النقابية للانتهاك أكثر على مستوى المقاولة، مما يؤدي إلى ترهيب فئات واسعة من عمال القطاع الخاص وإلى ابتعادهم عن العمل النقابي؛ هذا في الوقت الذي تعرف فيه وحدات الشغل المختلفة سلسلة من الخروقات الخطيرة؛ حيث يتم إغلاق المعامل وطرد وتسريح العديد من العمال والعاملات، بسبب الانتماء والنشاط النقابيين، بدون أدنى تدخل من طرف تفتيشيات الشغل، وفي تحيز سافر للسلطات إلى جانب المشغلين وتدخلها ضد العمال والعاملات، بتعنيفهم واعتقالهم ومحاكمتهم خلال النزاعات الشغلية؛ الشيء الذي يتجلى على الخصوص في استمرار معاناة العمال الزراعيين في العديد من المناطق، لا سيما مع تنامي التشغيل بالمناولة، وتملص أرباب العمل من المسؤولية اتجاه تطبيق قانون الشغل لفائدة عمالهم.
وبالنسبة للحق في الإضراب، لازالت السلطات والباطرونا تواصلان الإجهاز على هذا الحق، عبر الاقتطاع من الأجور واستعمال الفصل 288 من القانون الجنائي لاعتقال ومحاكمة وإدانة المضربين، والانتقام منهم بالطرد التعسفي للمسؤولين النقابيين؛ وهو ما يدعو الجمعية إلى تجديد التعبير عن رفضها لمشروع القانون التنظيمي للإضراب بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب المصادق عليه من طرف المجلس الوزاري سنة 2016، والذي جاء لتكبيل الحق في الإضراب كحق من حقوق الإنسان وعرقلة ممارسته والحد من فعاليته، في تجاهل تام للنقابات.
إن الجمعية إذ تتقاسم معكم، السيد رئيس الحكومة والسيدان رئيسا مجلس النواب ومجلس المستشارين والسادة رؤساء الفرق البرلمانية، والسادة ممثلو المركزيات النقابية ما سجلته، ولا زالت ترصده، من اختلالات وأعطاب تعمق من معاناة الطبقة العاملة ووضعها المتردي في إطار علاقات الشغل، في ظل محاباة الدولة للمشغلين؛ فإنها تدعو كافة الأطراف المتحاورة وعلى رأسها السلطة التنفيذية راعية هذا الحوار إلى إعطاء الأولوية للمطالب التالية:
– مصادقة المغرب على الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية وفي مقدمتها الاتفاقيات 87، 141، 168 و190؛
– ملاءمة قوانين الشغل المحلية مع القانون الدولي للشغل، عبر مراجعة تشريعات الشغل، ومن بينها مدونة الشغل،عبر تغيير جدري لها بما يضمن حقوق الشغيلة ويكفل حقوقها ويحميهامن جشع الباطروناوكذا المراسيم التطبيقية، في اتجاه ضمان استقرار العمل، وتوفير الأجر العادل والحماية الاجتماعية المعممة لكافة العمال؛
– احترام الحريات النقابية وحماية حق الإضراب على المستوى القانوني، عبر إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، والفصل 5 من مرسوم 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين للحق النقابي، وسائر المقتضيات التشريعية والتنظيمية المنافية للحق الدستوري في الإضراب وللحريات النقابية، وضمنها الاقتطاع من الأجر لممارسي الحق في الإضراب، مع إعادة الاعتبار لجميع ضحايا الفصل 288 من القانون الجنائي، بإرجاعهم للعمل ومحو العقوبات المترتبة عن تطبيقه بموجب عفو شامل، وتمكين كافة الموظفين/ات من حقهم في الانتماء النقابي بمن فيهم القضاة ورجال الأمن وغيرهم؛
– التخلي عن محاولة فرض قانون تنظيمي لممارسة حق الإضراب، يكون هدفه تكبيل الحق الدستوري في الإضراب؛
– جعل حد للانتهاكات الصارخة لقوانين الشغل، ولتطبيع وزارة التشغيل والدولة بصفة عامة مع ذلك
– إعطاء الأولوية في السياسة الاقتصادية والاجتماعية لاحترام الحق في الشغل بالنسبة لجميع المواطنين/ات، ومن ضمنهم حاملي الشهادات، والاستجابة للمطالب المشروعة للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وسائر مجموعات المعطلين بمن فيهم ذوي الإعاقة؛
– حماية النساء من كل أشكال الاستغلال الاقتصادي، لا سيما النساء العاملات الزراعيات، والفتيات العاملات المنزليات وضحايا الاتجار بالبشر، وضمان حصولهن على التعويض وجبر الضرر وتوفير مراكز لإعادة التأهيل الطبي والنفسي والاجتماعي لهن وحماية الشهود؛
– مراجعة قانون العمال/ات المنزليين الذي يسمح بتشغيل الأطفال والطفلات أقل من 18 سنة؛
– إعادة الاعتبار للأحكام القضائية التي تكون لصالح الطبقة العاملة، عن طريق إلزام المشغلين بالتنفيذ المعجل لها تحت طائلة ترتيب الجزاء على الممتنعين، مما يصبح رادعا يحول دون انتهاك الحقوق الشغلية والطرد التعسفي.